ليس لدى الفلسطيني ترف التفاؤل

يدعو خبر استئناف المفاوضات، بدرجتها الحالية المتدنية، للتأمل قليلاً في مسار السياسة الأميركية الشرق أوسطية، بكل ما تموج به المنطقة من انفجارات وتحولات عميقة.
سنأخذ أولاً بصدق النيّات، ولا نحسد الوزير كيري على “معاناته” مع الطرف الإسرائيلي، حيث لم يخدعه نتنياهو، بموقفه، وموقف أركان ائتلافه الحاكم. من رفض ثابت لتجميد عمليات الاستيطان، وتهويد القدس ورفض مبدأ الدولتين على حدود 1967 فضلاً عن رفض تطبيق القرار 194 الخاص بحق العودة.
السياسة الإسرائيلية جعلت مهمة كيري واضحة، ومشدودة إلى قطبين: قطب تلبية المصلحة الأميركية في استئناف المفاوضات، باعتبارها جزءاً ومحوراً مركزياً في العمليات السياسية على مسرح الشرق الأوسط، يمكن البناء عليها، ولا يمكن إغفالها.
وقطب آخر، ردم الهوة الكبيرة بين الموقف الفلسطيني، وبين متطلبات قبول إسرائيل استئناف المفاوضات، وتحريك العملية السياسية، وهذا لا يعادل صناعة السلام، أو الوصول إلى النهايات المنطقية، بوصفها تطبيق المرجعيات الدولية في أدبيات الموقف الفلسطيني.
لعل اختيار الوزير كيري، أسلوب الغموض البنّاء يعكس قناعة لديه، بأن الضغط الصريح على الفلسطينيين، “الحلقة الأضعف في المعادلة”، يحرج الإدارة الأميركية نظراً الى وضوح التعنت والصلف الإسرائيليين، ومخالفة إسرائيل أبسط قواعد السياسة الدولية وقوانينها.
ولأن المصلحة الأميركية، لم تتطابق بعد مع المصلحة الفلسطينية، في إنجاز تسوية تتطلب ضغطاً أميركياً جدياً وملزماً للطرف الإسرائيلي، تصبح ديبلوماسية الغموض البنّاء، ضرورة تلبي احتياجات الإدارة الأميركية أولاً، وتعفيها من الصدام المكشوف مع الموقف الإسرائيلي، بينما تتكفّل الدينامية السياسية بتوليد الضغط الموضوعي، والمباشر على الطرف الفلسطيني لتقديم تنازل هنا أو هناك، أو التخلّي عن هذا الاستحقاق أو ذاك، طالما يرى به نتنياهو شرطاً مسبقاً للتفاوض لا يقبل به.
ما جرى خلال الجولات الست السابقة للوزير كيري في المنطقة، أسفر عن إزاحة في القضايا الأساسية للمفاوضات، لتغدو شبه التزامات أميركية شفوية، بدل أن تكون التزامات إسرائيلية (قضايا الحدود والقدس والمستوطنات). وبهذه الإزاحة، التي حظيت بقبول رسمي عربي، يعكس طبيعة الحال السائدة عربياً، حصلنا على عملية سياسية اسمها “المفاوضات” ليس إلاّ.
هذا ما دفع القيادة الفلسطينية مجتمعة “تنفيذية منظمة التحرير ومركزية فتح”، إلى المطالبة بضمانات مكتوبة من الخارجية الأميركية، قبل الموافقة النهائية على استئناف المفاوضات.
لكن حتى لو قدمت الإدارة الأميركية، تلك الضمانات المكتوبة، ما الذي يجبر إسرائيل على المضي في المفاوضات إلى خاتمة سعيدة.
بل ماذا تعني الضمانات المكتوبة والأرشيف الفلسطيني متخم بالوثائق والوعود والضمانات عبر عقدين من التفاوض، من دون جدوى؟
في الأسبوع الفائت صاحب خبر استئناف المفاوضات، خبر إفلاس مدينة ديترويت الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة، الأمر الذي يلفت الانتباه مجدداً، إلى أولوية السياسية الداخلية، في الإدارة “الأوبامية” منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة. وهذا ما يضعف القدرات الأميركية الخارجية، ويسهل الأمر على الحكومة الإسرائيلية، في المضي بسياستها الاعتراضية من دون مخاوف كبيرة على العلاقات مع واشنطن. لا بل يرى نتنياهو، بهذه الحالة الداخلية الأميركية، فرصة لاستئناف مشروعه، بإعادة جدولة أولويات الشرق الأوسط مجدداً على إيقاع الملف النووي الإيراني، ما يؤدي حكماً إلى مفاوضات مفتوحة مع الفلسطينيين، لا تقترب أبداً من الاستحقاق المطلوب.
إن لسان حال القيادة الفلسطينية في قراءتها لما يدور حولها دولياً وإقليمياً ولحالة الضعف الداخلي الفلسطيني يقول: دع الفشل يأتي من نتنياهو فلا طاقة لنا بتحمل تبعاته.

السابق
أنباء غير مؤكده عن تورط ابنة جمّو في التخطيط لقتله
التالي
مبادرة فلسطينية لتحييد المخيمات في سوريا