بين عون وحزب الله ندوبٌ لا تُفسد التفاهم

لم تعد الإشارات المتبادلة، السلبية في ما مضى، بين حزب الله والرئيس ميشال عون تنذر باتساع خلافهما، بعدما اجتهد خصومهما في تفسيره. كلاهما عائد إلى الآخر، متفهّماً تعاطيه مع ملفات الداخل والخارج على السواء. يدخلان الحكومة معاً، إلا أن لا حكومة من دونهما أيضاً

لا تبدو علاقة حزب الله بالرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر تمر بسوء تفاهم بمقدار ما يصوّره خصومهما على وفرة التباعد في بعض المواقف. في الأيام الأخيرة تبادلا التطمينات وتأكيد أحدهما للآخر أن تحالفهما ثابت في الملفات الداخلية والخارجية على السواء. كذلك مصير ورقة التفاهم المعقودة بينهما منذ عام 2006، لا تزال بدورها في مأمن من كل انهيار.
لا تحجب بضعة تباينات ظهر بعضها في الأسابيع الأخيرة أنه أكثر من عابر وهامشي في تحالفهما، اعتقاد كل منهما أنه في حاجة إلى الآخر. إلا أن مطلعين عن قرب على علاقة الطرفين وأكّبوا في الأيام المنصرمة على تصويب مسارها يحددون الندوب التي تشوبها:
أولاها، تمييز حزب الله تطلعاته الإقليمية البالغة التعقيد والدقة، وخصوصاً في الظروف الحالية وبإزاء ما يحدث في سوريا، عن تطلعات عون وتياره التي تتوجه إلى الداخل أكثر منها إلى الخارج، ويريد بها أن يحصد أوسع مقدار من المكاسب في السلطة في مرحلة استثنائية له جعلته في صدارة الزعامة المسيحية وفي مواقع تمثيل حكومي غير مسبوق وقد لا يتكرر. يقول الحزب إنه يتفهم تطلعات عون ويجد أحياناً ما يبرّر حدتها واستعجاله إياها، لكنه غير كاف وحده في سبيل مساعدته في الوصول إلى تحقيقها بسبب طبيعة موازين القوى الداخلية.
ثانيتها، في الأيام الفاصلة بين استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتسمية الرئيس تمام سلام لتأليف حكومة، اتفق عون وحزب الله على دخول الحكومة الجديدة معاً، فلا يكون أحدهما خارجها أياً تكن وطأة الضغوط الداخلية والخارجية. آنذاك لم يُبدِ عون حماسة لتكليف سلام وقاطع استشارات التكليف، فيما كان الفريق الشيعي على طرف نقيض منه مؤيداً هذا التكليف. سرعان ما أعاد الفريقان الأسبوع الماضي، في أكثر من مناسبة، تأكيد الاتفاق السابق وتجاوز كل ما نجم عن نعي رئيس المجلس نبيه بري قوى 8 آذار.
ثالثتها، ليس في وارد حزب الله القبول بعزل عون وتياره عن الحكومة الجديدة، ولا يزال مسؤولوه البارزون يكرّرون ما أعلنه الأمين العام السيد حسن نصر الله بعد حرب تموز 2006 من أن حزب الله يحفظ للجنرال ديناً له في ذمته. يؤكدون أيضاً أن الحزب لم يتخلّ عنه مرة. لكن الإرباك الذي يصيبه في بعض الأحيان يكمن في أنه لا يعرف إلى أي مدى يستطيع السير وراء عون أو إلى جانبه في علاقته بالدولة والحكم، سواء في السياسات المتبعة أو التعيينات. لا قعر لما يطلبه، ولا حد يقف دونه.
إحدى المشكلات الأخيرة التي لا تزال تجرجر أذيالها، ولما تزل بلا حل، هي الحؤول دون الفراغ في قيادة الجيش وتمديد سنّ تقاعد قائده العماد جان قهوجي الذي يؤيده حزب الله وحليفه رئيس المجلس ويرفضه عون. تكمن المعضلة الفعلية في هذا التباين بأن حزب الله يعرف تماماً أن من المتعذّر الاتفاق في الوقت الحاضر على تعيين قائد جديد للجيش يخلف قهوجي بإحالته على التقاعد، وأن من المتعذر أكثر فأكثر تعيين المرشح الذي يريده عون لخلافة قهوجي وهو العميد شامل روكز، صهره. كلاهما استحالة تحت وطأة الظروف الحالية وانقسام الحكومة المستقيلة، فضلاً عن أهمية تعيين قائد جديد لا يحتاج إلى نصاب موصوف في مجلس الوزراء فحسب، بل أيضاً إلى تفاهم مع القوى والأفرقاء خارج الحكومة تجنباً لتعريض المؤسسة العسكرية لمأزق وتجاذبات سياسية. بذلك اختارت الثنائية الشيعية التمديد لقهوجي وفق معادلة أن البديل الجدي منه هو الفراغ وليس تعيين قائد آخر، أي قائد.
رابعتها، بات بحكم لزوم ما لا يلزم القول إنه لا وجود لثنائية شيعية على غرار ما اتصف به تحالف بري وحزب الله في ما مضى، بل أحادية شيعية حالية متينة ومتماسكة لم تعد تميز ما يقوله رئيس المجلس ويقدم عليه عما يفكر فيه الحزب. كلاهما واحد وضع في عهدة بري الملف الداخلي والتفاوض مع الفريق الآخر عليه، سواء كان الرئيس المكلف أو تيار المستقبل، يملك هامشاً واسعاً من الاجتهاد في إدارة هذا التفاوض.
والواضح، للمطلعين إياهم، أن عون تلمّس عن قرب تبخّر الفروق بين التنظيمين الشيعيين. لم يعد بري يتكلم بصفته رئيساً للبرلمان أو لحركة أمل فحسب، بل كذلك مفاوضاً عن حزب الله الذي لا ينكر عليه هذا الدور بينما ينصرف هو إلى الجبهة العسكرية المفتوحة في سوريا.
لم يقل رئيس المجلس إنه يريد دخول الحكومة بمعزل عن عون، بل أحدث نعيه قوى 8 آذار ــــ في الظاهر على الأقل ـــ صدمة عابرة لم تتجاوز فصل ملفات الداخل التي يسهل الخلاف، كما الاتفاق، عليها عن ملفات الخارج، وخصوصاً عندما عنى أن الفريق الشيعي يفاوض الرئيس المكلف بالمفرّق، وكذلك التيار الوطني الحر عبر الوزير جبران باسيل. إلا أن الفريقين يدخلان الحكومة معاً، ويكوّنان من داخلها الثلث +1، ويترك أحدهما للآخر الطريقة التي يرتئي بها إدارة تفاوضه مع سلام، مقاعد وحقائب، في الحكومة الجديدة.
خامستها، يتفهم حزب الله مطالب العماد وتياره في التعيينات وهو يدعمه فيها، بيد أن هذا الدعم غير كاف للوصول إلى هذه المطالب، نظراً إلى وجود أفرقاء آخرين من داخل مجلس الوزراء معنيين بدورهم، ولهم كلمة مسموعة، واحياناً فاصلة في إقرار التعيينات، وخصوصاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الأمر الذي لا تجبهه التعيينات الشيعية أو السنية لعدم اصطدامها بعقبات وعراقيل وممانعين. يصر عون على الاستئثار بالحصة المسيحية في التعيينات تلك، وتجاهل دور الرئيس على رأس مجلس الوزراء سواء بموافقته أو الأخذ في الاعتبار حصته هو الآخر فيها التي ينكرها عليه عون.

السابق
أزمة نظام رئاسي في مصر
التالي
هل ينفذ الاسد تهديداته لاسرائيل؟