مصر والتطورات المرتقبة


شكّلت ثورة 30 حزيران الحدث العربي الأبرز خلال الأسابيع الماضية وبقدر ما أربكت هذه الثورة الولايات المتحدة الأميركية ووجّهت صفعة إلى حكومة أردوغان في تركيا فإن عملية الإطاحة بالرئيس محمد مرسي يجري تظهيرها وكأنها نقلة سعودية باتجاه السيطرة على الواقع المصري في مجابهة النفوذ القطري والتركي عبر حكم «الإخوان». ويستشهد أصحاب هذا الرأي بمليارات الدولارات التي أُغدقت على الحكم المصري الحالي بعد عزل مرسي «الإخوان».
واعتبرت مصادر عربية واسعة الاطلاع أن الانتفاضة الشعبية العارمة التي شهدتها ساحات مصر وميادينها كانت تعبّر بأصالة عن وجود غالبية اجتماعية ساحقة في مصر مناهضة لحكم «الإخوان» ولا يمكن لأي تدبير مخابراتي في العالم أن ينزل 30 مليوناً إلى الشوارع والساحات في جميع أنحاء مصر. وأياً كانت الإمكانات الموضوعة بتصرف الجماعات الناشطة القديمة والجديدة كـ«تمرد» فإن الطاقة على تأمين حشود بهذا الحجم تفوق جميع القدرات والإمكانات المنسوبة إلى الجماعات المصرية السياسية المختلفة التي ناهضت حكم «الإخوان». ولذلك ترى المصادر أن الأمر يعود إلى أصالة الضغط الثوري في مصر وحجم اليقظة الشعبية التي دفعت الناس إلى الانتفاض على القهر الاجتماعي والتبعية لأميركا والغرب وكانت هتافات الشارع واضحة ضد الهيمنة الأميركية وهي تعيد المطالبة برغيف الخبز والحرية وهو شعار ارتفع في انتفاضة كانون الثاني قبل عامين ونصف.
لقد شكّل الموضوع السوري عنصراً هاماً في مفردات الخلاف والصراع بين القيادة العامة للقوات المسلحة والرئيس المعزول مرسي عشية انتفاضة 30 حزيران وترى المصادر العربية أنّ اختفاء علم الانتداب الفرنسي على سورية والذي ترفعه المعارضة السورية من جميع الساحات والميادين المصرية المناهضة لمرسي وبقاءه في ميدان رابعة العدوية حيث يعتصم «الإخوان» ليس بصدفة.
وما كشفه الفريق عبد الفتاح السيسي تحت عنوان تقدير الموقف الذي عرض على مرسي قبل اسبوعين من الانتفاضة وتضمن تشخيصاً للأخطار الداخلية والخارجية كان في الحقيقة رداً على خطاب مرسي الذي دعا الأخير فيه الجيش المصري إلى الاستعداد للقتال في سورية وأعلن قطع العلاقات مع سورية. رفضت القيادة العسكرية المصرية موقف الرئيس المعزول بدوافع مصرية خالصة وليس حباً بالدولة السورية وخيارها المقاوم. فوفقاً لمصادر مصرية واسعة الاطلاع اعتبرت القيادة العسكرية أن الإعداد لتوريط الجيش المصري في العدوان على سورية سيكون كارثة وطنية وقومية وأن قطع العلاقات مع سورية وإبقاءها مع الكيان الصهيوني هو تصرف أرعن لا يقبل به الشعب المصري. وكانت القيادة العسكرية المصرية تعتبر أن الدولة السورية ورفاق السلاح هناك في قيادة الجيش والمخابرات يقارعون عصابات الإرهاب والتكفير التي تمثل تهديداً للأمن المصري في المدى المتوسط والبعيد. وكانت القيادة العسكرية بدأت تكتشف وجود خلايا التكفير والإرهاب التي نفذت جريمة أثارت رفضاً شعبياً عارماً عندما قتل الشيخ حسن شحاتة وصحبه وعندما ارتكبت جرائم أخرى ضد الكنائس والمواطنين المسيحيين حيث لمست القيادة وجود مخطط لنقل النشاط التكفيري إلى مصر. ويرى الجنرالات المصريون بأم العين أن الحرب على سورية تحولت إلى مأزق للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ولذلك رفضوا خيار الرئيس مرسي.
الضربة التي تلقاها المشروع الأميركي في المنطقة والاتفاق المبرم مع قيادة التنظيم العالمي للإخوان عبر الإطاحة بالرئيس مرسي تمثل إصابة قاتلة لحلف العدوان على سورية. فقد كان الرهان على توريط مصر كآخر رصاصة في جعبة هذا الحلف وهو ما يفسر الهستيريا التي خيّمت على اسطنبول ومسارعة الرياض إلى خطب ود الحكم الجديد محكومة بهذا الإطار وبناءً على طلب أميركي وليس فقط بالمنافسة على النفوذ مع مشيخة قطر.
إن كان هناك من كلام عن مستقبل الأوضاع في مصر فهو مخاض صعب ومحفوف بالمخاطر السياسية والأمنية وصفحة الإخوان لن تطوى بسلام لأنهم مصممون على اللجوء إلى العنف والدم وهذا هو أخطر ما يواجه الحكم المصري الجديد حيث ستكون العلاقات الخارجية مبنية على مبدأ مكافحة الإرهاب وليس التصادم مع المشروع الغربي ـ الإخواني ـ التركي وأدواته فحسب الأمر الذي سيضع الحزب السلفي والمملكة العربية السعودية أمام الاختبار الأصعب في العلاقة مع جنرالات الجيش المصري ومع القوى السياسية المصرية المهيأة للإمساك بالقرار!!

السابق
ورشة لرؤساء البلديات في النبطية
التالي
خطة استراتيجية للتنمية في صور