فضل الله: لإخراج البلد من الانقسام بالمزيد من مبادرات التواصل

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. التقوى التي هي الهدف المرتجى من هذا الشهر، وقد ورد عن الإمام الصادق لأحد أصحابه "أما العلة في الصيام، ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني مس الجوع والألم، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع. ولذلك توجه رسول الله إلى أصحابه في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان: "أيها الناس: اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه، جوع يوم القيامة وعطشه"، ثم قال: "وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، وتحننوا على أيتام الناس، يتحنن على أيتامكم. لقد أراد الله لهذا الشهر أن يكون شهرا للخير والعطاء، شهرا للتفاعل مع الفقراء والمساكين والأيتام وكل ذوي الحاجة، شهرا تمتد فيه الأيدي المعطاء لتقدم ما يمكنها من دون منة، ولوجه الله، لا يريدون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، فهو شهر تكثر فيه الموائد على اسم الله وفي سبيله، فهنيئا لكل هذه النفوس الخيرة المعطاء لما سينالونه من دعوات الناس لهم ومن خالقهم، فوسامهم أنهم أحب خلق الله، فخلق الله كلهم عياله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ومن أدخل على أهل بيته السرور".

اضاف :"بهذا العطاء نقي واقعنا ومجتمعنا ونحميه، فالجوع كافر وقد يؤدي بصاحبه إلى متاهات الانحراف، ولذلك، إن الذين يعطون ويبذلون هم مجاهدون، ولهم هذا الموقع لأنهم يحمون أمتهم من داخلها، كما يحمي المجاهدون ثغور الأمة وحدودها، فبوركت أيادي مجاهدي الداخل والخارج في هذه المرحلة في هذا الشهر. وفي بداية هذا الشهر، الذي أراده الله أن يكون شهر أمن وسلام ومحبة، امتدت يد الإجرام إلى عمق الضاحية الجنوبية، وإلى قلب منطقة بئر العبد، مستهدفة الأبرياء في أسواقهم وشوارعهم ومنازلهم وهذه المنطقة هي الرمز الذي احتضن ولا يزال يحتضن المجاهدين والمقاومين، رغم حجم التضحيات التي واجهتها في الماضي، ولا سيما إبان العدوان الصهيوني في العام 2006، حيث تهدم الكثير من أبنيتها ومتاجرها ومرافقها الحيوية وهي بعد لم تستكمل رفع كاهل هذا العدوان عنها".

وتابع :"إننا ننظر بكثير من الخطورة إلى هذا الاستهداف المباشر، الذي نخشى أن يكون مقدمة لعمليات اعتداء أخرى، قد يسعى من خلالها العدو الصهيوني، مباشرة أو بواسطة من ينفذون خططه، إلى صب الزيت على نار الفتنة، لتعميق جراح الاستنزاف التي تعيشها المنطقة، ورفع منسوب الشحن الطائفي والمذهبي الذي يراد للمنطقة أن تغرق فيه، وهو ما أظهرته التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الصهاينة، حيث وضعوا هذه العملية في إطار ما سموه صراعا سنيا ـ شيعيا، كما قال وزير حرب العدو".

وقال :"نحن في الوقت الذي نثمن الإجماع الوطني الذي حصل في استنكار عملية التفجير، فإننا نرى ذلك غير كاف إن لم يدعم بالعمل على إخراج البلد من حال الانقسام الحاد الذي يعانيه، وبالمزيد من مبادرات التواصل والحوار، والخروج من الخطاب والكلام المتشنج والمتوتر الذي باتت تضج به ساحاتنا ومواقع التواصل الاجتماعي، وتعزيز الوحدة الإسلامية والوطنية، فلا يبقى البلد يعيش الفراغ والانقسام الذي يسهل على العابثين بأمن البلد حرية التحرك".

ودعا "أهلنا إلى التنبه والحذر والوعي، بأن يكون كل مواطن خفيرا، أن يكون الجميع خفراء في شوارعهم وأماكن تواجدهم، فيساعدوا القوى الأمنية على القيام بدورها".

اضاف :"وعودا إلى فلسطين التي نريد لها أن تبقى حاضرة في الوجدان، فإن عيوننا ينبغي أن تكون شاخصة تراقب العدو الصهيوني الذي يواصل تعزيز قدرته العسكرية عددا وعتادا وتقنية، ويتابع سياسته الاستيطانية بوتيرة متسارعة، واستباحته القدس والمسجد الأقصى، والإساءة إلى الإنسان الفلسطيني، وحتى الأطفال، ويكفي في ذلك مشهد العدو وهو يعتقل ابن الخمس سنوات ويأخذه من أحضان أبويه، ولا سيما في ظل حديث متواصل منه عن ارتياح لما أصاب الساحة العربية الداخلية من خلخلة وتصدع، وخصوصا لجهة الضعف الذي أصاب الجيوش العربية التقليدية، بعد غزو العراق وأزمة سوريا، وصولا إلى الأزمة المصرية الأخيرة."

وتابع :"يبقى الجرح النازف المفتوح في العراق، حيث تضج ساحته بالمتفجرات المتنقلة، والتي حصدت في الشهر الماضي أكثر من 2500 ضحية، فضلا عن الجرحى والمعوقين. كما يستمر نزيف الدم في سوريا، حيث الحلول تؤجل ويزداد تدفق السلاح من الخارج ليقتل هذا الشعب أكثر ويدمر قواه الحية. ووسط كل ذلك، لا نزال نعيش الألم حيال الانقسام الحاد الذي طاول الشارع المصري، والعنف الذي بات يمثل تهديدا لموقع مصر ودورها ووحدتها، ما يستدعي من كل القيادات فيها ضرورة التلاقي والحوار لإخراج مصر من أزمتها وإعادة الثقة بين مكونات شعبها، فالمرحلة ينبغي أن تكون مرحلة حفظ إنسان هذا البلد لا زيادة معاناته".

وثمن كل المواقف المصرية التي دعت إلى حل الأزمة المستجدة من خلال لجنة من الحكماء أو من خلال صيغ حوارية أخرى".

وختم فضل الله :"أخيرا، في أجواء هذا الشهر، ومن خلال متابعتنا للواقع الاجتماعي العام، فإننا نلفت إلى معاناة النازحين السوريين في لبنان، ونعيد الدعوة إلى ضرورة إيلاء الأهمية إلى هذه الأزمة الإنسانية الحادة، والتي تهم كل إنسان يعيش إنسانيته، وخصوصا المسلمين الذين لا يكونون مسلمين ما لم يهتموا بأمور المسلمين. وكذلك، نلفت إلى معاناة الفقراء، في كثير من مناطقنا، والذي لا يجدون ما يسد رمقهم وحاجاتهم، ما يتطلب منا جميعا العمل على مساعدتهم، تحقيقا لرسالة شهر رمضان الذي هو شهر إعانة الفقراء وكل ذوي حاجة".   

السابق
الصايغ: سلاح المقاومة يحتاج الى حوار وطني والجيش دائماً على حق
التالي
الجيش: انتهاك اسرائيلي بفتح بوابة السياج في حولا واجتياز الخط الازرق