ماذا يقصد السنيورة والحريري؟

ليس تفصيلاً أن تعلن بهية الحريري من السراي الكبير يوم الجمعة في 28 حزيران الماضي، «أن ما حصل في صيدا هو بمثابة 14 شباط جديد بالنسبة إلينا». وليس بسيطاً أن يؤكد فؤاد السنيورة يوم الأحد الفائت من صيدا بالذات، «أن الشعارات والمطالب التي رفعها في البدء الشيخ أحمد الأسير، هي شعارات ومطالب تتحدث بها فئات واسعة من الشعب اللبناني».

قد يقول بعض الخبثاء إن لنائبة صيدا كل الحق في إطلاق القياس الذي تريد، على جريمة 14 شباط. ففي النهاية، هي «أخت الشهيد»، وهي الأعرف به والأحق في تصنيف اغتياله المنكر والبشع. فيوماً تجعله في مقام الأولياء أصحاب الأضرحة، ويوماً آخر تماثل بينه وبين عصابة من قطاع الطرق…

وقد يضيف الخبثاء أنفسهم، أن لرئيس حكومة لبنان الأسبق، كل الحق أيضاً، في أن يحدد بمفرده شعارات اللبنانيين ومطالبهم. فالرجل الذي نام نحو 150 ليلة، ملء جفونه والعيون الباكية، وتحت نافذة قصره العثماني مليون لبناني يطالبونه بالتزام المقتضى الميثاقي في حكومته، قد يكون مقتنعاً فعلاً في سريرته ووجدانه وضميره، أن عصابة مكونة من 34 لبنانياً و58 سورياً و13 فلسطينياً وسودانيين اثنين و5 بنغاليين (كما أظهرت القوائم الرسمية) تحمل في غاياتها وأغراضها، مطالب فئات واسعة من الشعب اللبناني وشعاراتهم.

غير أن كلام السنيورة والحريري يجب ألا ينتهي عند حدود ردود الخبثاء. ذلك أن التدقيق في هذا الكلام يقتضي البحث عن خلفياته الأكثر عمقاً، ومعالجة أسبابه ومقاربة مراميه. وخصوصاً ان يقوَّم هذا الحديث، لا بقياس مصلحة فردين وإن كانا نائبين، بل بقياس مصلحة صيدا، ومصلحة جماعة لبنانية أساسية ومؤسسة للكيان والميثاق، وبالتالي مصلحة لبنان. ومحاولة التقويم هذه، يمكن أن تختصر بمجموعة من الأسئلة العامة، هذا بعضها:

يوم 14 شباط 2005، أحس لبنان كله بالخوف والهلع من الجريمة التي ضربت عاصمته. فهل أحس الصيداويون خصوصاً والجنوبيون عموماً، بالقلق والذعر، أم بالارتياح والاطمئنان، يوم اقتلع الجيش اللبناني ظاهرة الأسير في 24 حزيران الماضي؟

ثم في اليوم التالي لجريمة 14 شباط، هب كل لبنان للتضامن مع المغدور في عرس تشييعه الوطني الكبير. حتى الذين لم يطأوا منزله طوال حياته، والذين عادوه حتى الطعن حياً، صاروا من «أهل البيت» بعد مماته، «يفشّخون» في الدار وعلى الناس، ويضربون بسيفه ميتاً. أما في حالة الأسير، فكم من أهل صيدا انتفض يوم الجمعة الماضي نصرة لاستئصال عصابته، وكم منهم اعتصم في الساحات، وكم منهم أمضى لياليه مطالباً بحقيقة أو عدالة؟؟

ثم أما كان 14 شباط في ظل وصاية، بل احتلال خارجي، وفي مواجهة سلطة تابعة؟؟ ففي ظل أي سلطة كان 24 حزيران؟ ألم يكن بسلاح جيش وطني سارع سعد الدين الحريري عند العشية، إلى شكره وتهنئته ودعمه، حتى «تقريش» موقفه منه بطلب التمديد لقائده؟ وألم يكن 24 حزيران في عهد حكومة، وإن مستقيلة، سارع رئيسها إلى جمع نظرائه لإطلاق موقف مذهبي مما حصل، كما إلى استقبال السنيورة والحريري، في زيارة تشبيه الشيخ أحمد بالشيخ رفيق، والجيش اللبناني بأحمد أبو عدس على الأقل؟ وهل تقول «فئات واسعة من الشعب اللبناني»، بكل هذا الكم من الخطاب القروسطي المتخلف، وهذه اللغة التحريضية المذهبية، وهذه المواقف الخارجة عن أصول الإنسانية، قبل الأخلاق والأديان والوطنيات، من «بندقية عائشة» إلى مفردات الخنازير… لتشبَّه زوراً وتعسفاً بعصابة عبرا؟

قد يكون في الجواب عن أسئلة كهذه، مؤشر أولي حول صدق المقارنة وحجم ما حصل في التاريخين، وحول صحة مشاعر غالبية الناس. لكن الأهم، هو في السؤال: ماذا يحاول السنيورة والحريري القول لأهلهما في صيدا، ولجماعتهما في الوطن، ولكل اللبنانيين؟ هل يقولان للصيداويين، إن الأسير هو شهيدهم الحي وزعيمهم الخالد؟ ألا يدركان أن صيدا أكثر مدن لبنان انفتاحاً على محيطها، وأقلها اصطفافاً مذهبياً وسياسياً؟ ألم يفهما معنى أن يلتقي أبو مازن وخالد مشعل على التبرؤ من الأسير وعدم احتماله في اي خيمة فلسطينية، وعين الحلوة وتعميرها في قلب صيدا؟

وماذا يقولان لجماعتهما في الوطن: ها نحن قد قررنا ان نستعيد خطاب قمة عرمون، ونعلن خمسة بنغاليين جيشنا، فيما المفتي نفسه، قد أدرك عمق اللحظة الوطنية، فأعلن «ان الاعتداء على الجيش جريمة في حق لبنان ولا يجوز التقاتل مع الجيش تحت اي ذريعة كانت»، وأن «دعوة السنة الى الانفصال عن الجيش جريمة بحق السنة اولا، والجيش ثانيا، وهي تؤدي الى الفتنة التي تشق طريقها الى لبنان»؟؟.

وأخيراً ماذا يقولان للبنانيين: إننا باقون على النهج نفسه، إما أن تكون السلطة لنا، وإما أن يستمر ابتزازكم بألف أسير وأسير؟ إنها كارثة منطق الاستثمار حين يدخل إلى الشأن العام، أكان استثماراً بالمال أم بالدم، أكان مياومة أم مقاولة.

السابق
مجزرة مصر مشروع فتنة
التالي
نواب دائرة الخطر: نحن كالعصافير