يوم قرر الربيع أن يولد اختار رحِمَ سوريةَ

الحبّ الكبير موضوع غاية في البساطة فهو لا يحتاج إلى أكثر من طرفين ولا يحتاج إلى طاولة مستديرة ولا إلى مرصد لحقوق الإنسان ولا إلى بركات رجال الدين أو فذلكات رجال القانون أو تعليلات الفلاسفة أو ديكتاتورية التقاليد . الحبّ أهمّ وثيقة وجدانية يوقّعها طرفان من دون موافقة الكتّاب العدل . إذا كان الحبّ هكذا فأنا أعلن بكل بساطة أنّ سورية هي حبيبتي .
ما من مرّة طُلب من هذه الحبيبة شيء إلاّ وأعطته بلا منّة فيوم كان العالم القديم يسعى إلى اختراعٍ يجسّد من خلاله قصيدة حبّ أو عقد بيع فاجأته أوغاريت باختراعها الأبجديّةَ ويوم كان البحر عصيّاً بشياطينه غامر السوريون ومخروا لجّته بمركب وشراع ويوم اقتصرت الحياة المعاشة على الصيد والتقاط الثمار وصلت سورية الصبيّة الرائعة الحسن إلى الأرض تحمل في جعبتها اختراعاً اسمه المحراث وأهدته للأرض . وضمن هذا المثلّت المتساوي الأضلاع الحرف – الشراع – المحراث بدأت قصّة الحضارة .
ثمّ يوم قرّر الربيع أن يولد في مكان اختار رحِمَ سوريةَ وعندما جاء المخاض غادرها ليستقرّ في ربوعها حقولاً من الياسمين وشقائق النعمان وكروماً من العنب والزيتون ورفوفاً من العصافير والفراشات . وأعلن بكلّ وضوح أنّه لن يسمح لربيع آخر أن يحلّ مكانه .
سورية في حبّها الكبير عرفت كيف تتصالح مع الشعوب المعروفة يومذاك فلم تبخل عليها بما ابتكرت ولم تحرمها من خيرات أرضها ولم تستأثر بما وصلت إليه في إيمانها بوحدانيّة الإله فنشرته في الآفاق. بدأ ذلك مع أدونيس « ربّ الإنبات والإخصاب الفينيقي الذي اتخذه الإغريق ربّاً « كما جاء في « معجم الأساطير».
عبر الأعوام التسعة آلاف لم تتوقّف سورية الكبرى عن صناعة الحوادث ففي شرقها وضع حمورابي أول قانون مدنيّ مكتوب ووضع جلجامش أول ملحمة في التاريخ وفي الوسط دمشقُ أوّل عاصمة كما يجمع المؤرّخون ومنها خرج بولس الرسول ليبشّر بالمسيحيّة ومنها خرجت الراية الأمويّة لترتفع في سماء الأندلس وفي بيروت تأسّست أوّل أكاديميّة حقوقية وكان ذلك قبل المسيح بسنوات .
الحبيبة سورية مولعة أيضاً بالشعراء والكتاب حتّى لَتختفي المسافات في المكان والزمان بين واحد وآخر . فمن ديك الجن إلى أبي تمام إلى البحتري إلى أبي نؤاس إلى المتنبي إلى أبي العلاء إلى أبي فراس وصولاً إلى أبي ريشة والأخطل الصغير وجبران وسعيد عقل وإيليا إبي ماضي وميخائيل نعيمة ونزار قباني وبدر شاكر السياب والجواهري والبياتي ونازك الملائكة ومحمود درويش والطوقانين ابراهيم وفدوى وبدوي الجبل ومحمّد الماغوط وأدونيس وسليمان عيسى وحنّا مينه وزكريا تامر وممدوح علوان وكمال خير بك و … و… ! وهل يتّسع المجال لذكر كلّ المبدعين الذين تركوا عطرهم على امتداد خريطة سورية الكبرى ؟
تُرى هل يدرك العالم حجم الجريمة التي ارتكبت وما زالت في حقّ السوريين والحضارة السورية ؟ لا أظنّ فرائحة النفط والغاز أسكتت صوت الضمير واختنق في أرحامهم .   

السابق
ميشال سليمان آخر رئيس لمَ لا
التالي
انتفاضة الـ 30 من يونيو!