إيران تنفّست لكن لا أوهام مضخّمة

في موازاة الانتخابات الرئاسية التي جرت في ايران يوم الجمعة الماضي، لفت المراقبين الديبلوماسيين موقفان: احدهما للسفير الايراني في دمشق محمد رضا شيباني بما لموقعه من رمزية ودلالات كبيرة قال فيه "ان السياسة الخارجية الايرانية تجاه الشرق الاوسط ثابتة ولن تتغير بتغير الرؤساء"، مستبقا احتمال وصول رئيس اصلاحي الى الرئاسة الايرانية والذهاب بعيدا في الاعتقاد بان هذا التغيير سينعكس على حماية ايران للنظام السوري والرهان على تخليها عنه. والموقف الاخر ما قاله الامين العام لـ"حزب الله "السيد حسن نصرالله في اليوم نفسه من ان الحزب لن يتراجع عن تدخله في الحرب الى جانب النظام وهو سيكمل ما بدأه في ترجمة صريحة لمضمون ما قاله شيباني.

وليس واضحا تماما اذا كانت الرسالتان موجهتين على نحو استباقي الى الرئيس الايراني الجديد، الا انهما موجهتان قطعا الى دول المنطقة في حال راود احد اي اوهام حيال التغيير في الرئاسة الايرانية. في حين سارعت الخارجية الايرانية بدورها وبعد الترحيب الغربي الواسع بانتخاب روحاني الذي كان مسؤولا سابقا عن التفاوض في الملف النووي الى التأكيد ان "تغيير الادارات في اعقاب الانتخابات الرئاسية لن يؤثر على سياسة ايران تجاه الدفاع عن حقوقها النووية". الامر الذي يرسم "خطا احمر" استباقيا في هذا الموضوع موازيا لما رسمه شيباني ونصرالله حول سوريا، ولو اختلفت مواقع من يرسم هذه الخطوط في موضوعين هما الاكثر حيوية بالنسبة الى طهران.

ويسود الاقتناع بقوة ان السياسات الايرانية لا سيما منها الخارجية يحددها المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية ولن يكون سهلا الرهان على تغيير ايراني من دعم بشار الاسد كون المسألة تمثل تحديا استراتيجيا وجيوبوليتكيا بالنسبة الى ايران كما هي الحال بالنسبة الى الملف النووي. الا انه كان لافتا مسارعة الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا الى الترحيب بانتخاب حسن روحاني للرئاسة الايرانية وابداء الاستعداد للتعامل معه في تعبير عن تلقف ايجابي للتغيير في ايران. فهذا التغيير اكان مقصودا وفق مصادر ديبلوماسية بمعنى ارادة الملالي الايرانيين والمرشد الاعلى علي خامنئي في الدفع نحو انتخاب روحاني او كان انتخابا عفويا فهو جدير بالأخذ في الاعتبار. ففي حال كان مقصودا فانما يعبر ذلك عن ادراك الملالي الايرانيين الحاجة من جهة الى تنفيس الداخل وعدم تكرار الانتخابات السابقة التي منعت وصول الاصلاحيين في موازاة ضيق اقتصادي وصعوبات جمة ومخاوف من ان خسارة النظام في دمشق تنعكس على طهران ايضا. كما يعبر عن ادراك هؤلاء للحاجة الى اداء ايراني مختلف في ملفات عدة من الصعب على المرشد الاعلى التراجع في شأنها لكن قد يكون الامر اسهل عبر رسالة التغيير في الرئاسة الايرانية والترويج لاداء ديموقراطي لا ملاحظات عليه وفق ردود الفعل الغربية المباشرة.

واذا كان التغيير عفويا بمعنى ان الايرانيين عبروا ديموقراطيا وبحرية بانتخاب روحاني فانما يفيد معرفة ان الشعب الايراني يريد التغيير فعلا وان ردعه عن محاولة ايصال من يرغب في ايصاله سيرتب تداعيات اكبر على ايران في اقرب فرصة. وفي الحالين يمكن للغرب ان يدعي ان اجراءاته وعقوباته نجحت في حشر طهران السياسية والشعبية للبحث عن مخارج في الانفتاح على الاقل في مرحلة اولى علما ان الانتخابات في اي بلد حيث ينتخب رئيس بما يزيد على النصف بقليل انما يعني ان تحدياته كبيرة لاقناع فريق كبير بخيار الفريق الذي انتخبه فيما يبقى هامش تحركه غير واسع جدا.

السابق
فيديو.. “التلطيش” في شوارع القاهرة
التالي
مصر.. انتقدوا نظامكم لا السوريين