قلعة الشقيف شاهدة تاريخ حضاري حي

Beau fort أي الحصن الجميل وهو إسم قلعة أرنون الشقيف. القلعة التي أسس لبنائها سكان لبنان القدماء الفينيقيون، وشهدت مرور الحضارات اليونانية، الرومانية، العربية والاحتلال الصليبي، ثم تحولت إلى مركز للمقاومة الفلسطينية، قبل الاحتلال حيث فقدت الكثير من تراثها الثقافي نتيجة لقصفها الدائم، وللغارات الجوية التي تعرضت لها، ما أدّى إلى انهيار أجزاء كبيرة منها غيرت معالمها بعض الشيء لكنها بقيت “وكراً للنسور” كما أطلق عليها.

بعد سنوات على التحرير باتت قلعة أرنون الشقيف أسيرة الردم والتدمير الذي خلفته الغارات الإسرائيلية، وأسيرة الإهمال الذي منحها إياه اللبنانيون إلى أن حظيت باهتمام الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بعد زيارة السفير الكويتي للقلعة في العام 2007، ووضع حجر الأساس، بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار، لترميمها وتأهيلها حتى تنعم باستقطاب السياح إليها ليشهدوا تاريخها العريق، ولتكون معلماً ثقافياً وسياحياً، ورمزاً للصمود والتحرير. كما كانت حتى منتصف السبعينيات واحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية والتاريخية في لبنان، ومقصداً للسياح من مختلف دول العالم والمناطق اللبنانية. كما ستتم المحافظة على التحصينات التي اقامها الجيش الإسرائيلي، لتكون شاهداً تاريخياً على هذه الحقبة العدوانية ضد لبنان وعلى تضحيات المقاومة والشعب اللبناني في التحرير ودحر الاحتلال.

علماً أن المديرية العامة للآثار كانت قد أعدت دراسة في العام 2000 بشأن ترميم القلعة ووضعت خلال العام 2003 الخرائط التنفيذية للمشروع، وأعدّت دفتر الشروط المكونة لملف التلزيم التي تقسم إلى جزءين: الأول متعلق بالقلعة نفسها، ويقوم على تدعيم الإنشاءات المتصدعة من جراء الزمن والطقس والقصف المدفعي، الذي تعرضت له قبل الاحتلال الاسرائيلي وخلاله، حيث استخدمت مراراً كثكنة عسكرية. ثم حماية السطوح ومنع تسرب مياه الأمطار الى داخل الجدران والقاعات لحمايتها. ومن الناحية الأثرية سيتم فتح الخندق الذي كان يعتبر للصليبيين من أهم أساليب الحماية في القلعه، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي على رأس الجبل واستحالة الوصول إليها من ثلاث جهات ما دفع بهم لحفره. وساعدت الوثائق والصور الجوية التي تمتلكها المديرية العامة للآثار، والعائدة الى سنة 1932، أي فترة الانتداب الفرنسي، في إعادة بناء وترميم أجزاء من القلعة.

وأكّد رئيس الصندوق الكويتي في لبنان نواف الدبوس على أهمية إعادة تأهيل هذه القلعة، لما لها من آثار إيجابية في الحفاظ على الارث الثقافي للبنان. باعتبار قلعة الشقيف من أحد أهم المعالم الأثرية التي تترجم تعاقب الحضارات على لبنان، هذا بالإضافة لما لهذا المشروع من أبعاد ثقافية وسياحية في منطقة الجنوب بقوله: “يحرص الصندوق الكويتي على دعم العجلة الاقتصادية في لبنان بجميع جوانبها، وكنا قد بدأنا بدعم التنمية الثقافية لما للبنان من غنى في العناصر الثقافية والتراثية. ولما لقلعة الشقيف من أهمية كبيرة خصوصاً أنها شاهد حي على الحضارات العريقة المتوالية”. واعتبر ممثل الصندوق الكويتي محمد صادقي أن مساهمة الكويت ودعمها لمثل هذه المشاريع التراثية والثقافية تأتي من إيمان راسخ بأن هذا المخزون الثقافي في لبنان ثروة لا تنضب».

وفي لقائنا مع المهندس المشرف على تنفيذ المشروع الأستاذ علي خليفة وضح لنا ما تناوله مشروع الترميم عبر المراحل التي مرّ بها.

“بناء على الخرائط المعتمدة تم تقسيم المشروع إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى وتشمل الجزء المختص بالقلعة كإعادة بناء الجزء الاعلى منها، تدعيم الأجزاء الاخرى، ترميم الحجرات والممرات، ومنع الارتشاح فيها وإضاءتها، وهي ممولة من الصندوق الكويتي بلغت كلفتها حوالى 1940،000$.

المرحلة الثانية وتشمل الترميم الخارجي كإزالة الأنقاض وإعادة فتح الخندق المطمور، وبناء المتحف فضلاً عن موقف السيارات، ووضع لوحات تحكي كل التفاصيل عن هذا الموقع منذ العصور الوسطى وحتى الوقت الراهن. وكلفتها $1270 000وهي مموّلة من مجلس الإنماء والإعمار.

المرحلة الثالثة تشمل إقامة مرآب، وجناح للتذاكر والمعلومات والخدمات السياحية، وكلفتها 1660 000 $. يموّلها أيضاً مجلس الإنماء والإعمار.

وقلعة شقيف مكونه من عدة طوابق، كل طابق منها مبني بحضارة معينة من الصليبيين إلى العثمانيين. وهي موقع مراقبة للغزاة كاشفة للبحر وسوريا والجولان. وفيها مبنى مطمور بدشمة إسرائيلية قديمة، وكانت هذه القلعة تؤمن الاكتفاء الذاتي لمن يسكنها نظراً لطريقة بنائها المدروسة، حيث أنها تجمع مياه الشتاء على سطحها بطريقة تمكّن من الاستفادة منها طيلة أيام السنة. ويميزها موقعها بعلّوها من جهة الخردلي والليطاني، ومن الجهة الثانية أرنون إضافة الى الخندق الذي كان يمنع دخول الغزاة إليها. وقد واجهنا صعوبات ومعوّقات في العمل حيث كانت إزالة الأنقاض تتم يدوياً للحفاظ على الأحجار الموجودة بغية إعادة اسستعمالها في البناء. وقد تم اكتشاف رفات ثلاث جثث قدّر أنها دفنت من 400 سنة، كما تم اكتشاف صواريخ غير منفجرة وعبوات تم تفكيكها وكان للجيش اللبناني دور كبير في هذا المجال.

نبذة عن القلعة

قلعة الشقيف أو قلعة “شقيف أرنون” (بالفرنسية Chateau de Beaufort) هي قلعة تقع في الجنوب اللبناني وتبعد حوالي كيلو متر واحد عن بلدة أرنون في قضاء النبطية. وتعتبر من أروع القلاع التي بناها الصليبيون في عهد «الملك فولك» ملك القدس، في أعلى منحدر صخري شاهق يقع على علو كيلومترين من مجرى نهر الليطاني، ويشرف على سهل مرجعيون ومنطقة النبطية. وقد أطلق عليها الرحالة العرب اسم «شقيف أرنون» نسبة لبلدة أرنون التي تقع في أسفلها الشمالي الغربي، لكن هندستها التي تلتوي مع الجبل، وجدرانها المشيدة بالصخور المحلية تجعلها تبدو كأنها «مخبأة» بين حنايا الصخور فيما يُرى معلم من على بعد مسافات.

موقعها

ترتفع سبع مائة متر عن سطح البحر شامخة تتحدى الغزاة منذ بدء التاريخ. دارت فيها حرب الحضارات قديما، بنيت ودمرت عدة مرات، لكن فيها عظمة مميزة تشعر وأنت على حصونها المهدمة وكأن أسود العالم قد حفرت بأنيابها تاريخها منذ الشعوب الأولى، استخدمت كحصن لسد الثغرات من ناحية البحر كما هو معروف عبر التاريخ. انتقلت من الخلفاء الأمويين إلى الخلفاء العباسيين فالطولونيين فخلفاء مصر العلويين فالسلاجقة فالأتابكة من الترك فالصليبين ومنهم ثم إلى الأتراك فأمراء هذه البلاد الوطنيين.

تاريخ بنائها

يرى البعض أن تاريخ بنائها يعود إلى ما قبل العام 1125م، فيما يرى مؤرخون أنها تعود إلى ما قبل الحروب الصليبية بسنوات عديدة، أي بناها الرومان وزاد الصليبيون أبنيتها، وتم ترميم القلعة وتوسيعها في أكثر من عصر وتاريخ والأمير فخرالدين المعني الثاني جعل منها حصناً منيعاً أثناء حروبه مع الأتراك واتخذها مركزاً لخزينته إلى أن أصبحت شبه مدمرة بعد الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفتها خلال العقود الثلاثة من القرن العشرين.

وصفها

لهذه القلعة مدخل واحد من الجنوب، وشكلها مثلث الزوايا، وقياسها (160) مترا طولا و(100) متر عرضا، يحيط بها من بقية جهاتها آبار منقورة في الصخر، ويحميها من الجهة الشرقية مجرى ماء مهيب يسمى (نهر الليطاني) تسيل مياهه في واد عميق، وفي الجنوب خارجا يوجد حوض في الصخر، وفي الغرب صهاريج فيها أحواض جمة منقورة في الصخر الصلد مسقوفة بعقود حجرية. وفي الشمال حوض قسم منه منقور في الصخر، وقسم يقوم عليه بناء، وجدرانها المحيطة بها منحدرة وفي داخل القلعة أحواض كثيرة كان يجتمع فيها من المياه ما يسد حاجة المحصورين فيها مدة الحصار.

وهي محاطة من الجنوب ومن الغرب بهوة عميقة محفورة في الصخر عمقها 15 مترا إلى 36 مترا. أما من الجنوب فقد تتصل القلعة بذروة الجبل ومدخلها الى الجنوب الشرقي وطولها 120 مترا وعمقها 35 مترا، ومن طرفها الشمالي بناء ناتئ طوله 21 مترا متجها الى الشرق. وفناؤها في الجهة الشرقية منها عمقه نحو 16 مترا، ومثلها الأبنية الخارجية ولها انحدار يختلف من ستة إلى تسعة أمتار. وقد قام على الحائط الجنوبي برجان على شكل نصف دائرة أما القلعة من حيث البناء فهي مستطيلة وضيقة جدا بحسب الأرض التي بنيت عليها ولا يوجد تناسب هندسي بين طولها وعرضها”، وأما حجارتها فكلها مربعة الزوايا، إلا انها ليست بكبيرة كالحجارة في القدس وبعلبك ولا مُحْكَمَة النحت، ومن جهة الوسط الحجر نافر وغير منحوت.

تخريبها

وسنة 1837م هدم أعلاها بالزلزال وفقدت اهميتها، وأخذ اهالي النواحي المجاورة ينقلون حجارتها فيبنون بها بيوتهم. وصارت تلك القلعة العظيمة وقاعاتها الجميلة التي كانت مسكنا للأمراء والاشراف خرابا ومأوى للرعاة والماشية، ويقال ان باب قلعتها الحديدي العظيم نقل منها الى عكا زمن الجزار الذي جعله باب المدينة، كذلك نقل الشيخ حسن الفارس الصعبي جانبا من احجارها الملونة الى قريته البابلية زين بها بعض المباني التي أحدثها فيها.

تعرضت القلعة لتخريب من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أذ تم قصفها عدة مرات قبل إجتياح عام 1982. ثم استخدمت كمركز عسكري من جانبهم. فقد عملت قوات الاحتلال بجهد على تدمير معالم هذه القلعة حيث تداعت وتشققت جدران القلعة بسبب تحرّك الآليات العسكرية داخل حرم القلعة، وأدت الغارات والقصف المدفعي إلى تدمير البرج الرئيسي والجدران الخارجية للقلعة خلال سنين الاحتلال ما أدى إلى تغيير شكلها الهندسي. أما الخندق الذي حفره الصليبيون والذي يهدف إلى تأمين مركز دفاع عن القلعة ردمه الإسرائيليون أولاً بالاسمنت ثم شيّدوا تحصينات في داخله قبل الانسحاب كان جيش الاحتلال الإسرائيلي ينوي تفجير المنشآت داخل الخندق ما كان سيؤدي حتماً إلى تدمير الموقع لكن التوسط عبر اليونسكو أوصل إلى تغيير في طرق التفجير أدت بالطبع إلى زيادة التصدّع في الجدران.

تاريخها

يذكر أنه مع بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 قدّمها رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك مناحيم بيغن هدية للعميل سعد حدّاد تقديراً لخدماته، ومنذ ذلك الحين وحتى الانسحاب الإسرائيلي منها في 25 أيار 2000، كانت من أهم المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجنوب، في حين كان السفح الغربي لقلعة الشقيف منذ بداية السبعينيات وحتى منتصفها يضم أحد أهم مواقع مدفعية الميدان الثقيلة التابعة للجيش اللبناني، وقد أصلى قوات الاحتلال الإسرائيلي ناراً حامية أثناء اجتياحها الأول لجزء من الجنوب في العام 1978، ما أدى إلى تعرضه لعشرات غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية التي لم تتمكن من إصابته نظراً لموقعه الجغرافي المهم.

وبين العامين 1975 و1982 تعاقب على التواجد في القلعة «جيش لبنان العربي» و«أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية» والتنظيمات الفلسطينية المختلفة، وخلال هذه الفترة تعرضت القلعة لشتى أنواع الاعتداءات الجوية والبرية الإسرائيلية العنيفة التي أدت إلى تدمير معظم آثارها ومعالمها التاريخية الهامة.

السابق
سنفتقد أحمدي نجاد
التالي
واشنطن تخفف عقوباتها التجارية لمصلحة المعارضة السورية