التمديد من ساحة النجمة إلى بعبدا

يتابع اللبنانيون، وبكثير من السخرية والازدراء، مسرحية التمديد لمجلس النواب، وتأجيل الانتخابات، والتي فضحت فصولها الباهتة، لعبة التشاطر المفتعل التي تمارسها الأطراف السياسية المعنية، ليس فيما بينها وحسب، بل وأيضاً على النّاس، الذين لم يصدقوا للحظة، أن الطبقة السياسية تسعى جدياً للتوافق على قانون انتخابات، يؤمّن إجراء هذا الاستحقاق الدستوري في موعده!
الطروحات المتداولة، من الأرثوذكسي إلى المختلط ، ومناورات الكر والفر التي تُدير اجتماعات «لجنة التواصل النيابية»، وصولاً إلى الجلسات المؤجلة للهيئة العامة، كلها تؤكد على عدم رغبة قوى في 8 و14 آذار في إجراء الانتخابات النيابية، على الأقل خلال هذا الصيف، وبالتأكيد بانتظار جلاء غبار المعارك المحتدمة في سوريا، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه!
ورغم أن مجرّد التفكير بتأجيل استحقاق بحجم الانتخابات النيابية، يعتبر وصمة سوداء للنظام السياسي اللبناني، ودليل آخر على إفلاس الطبقة السياسية الحالية، فإن بين اللبنانيين من يرى بتأجيل الانتخابات فرصة، للاستراحة من هذا التوتر المتصاعد ليس بين الفريقين الآذاريين وحسب، بل وحتى بين حلفاء الفريق الواحد منهما، لعل هذه الاستراحة القسرية تساعد على تبريد الأجواء التخاصمية، وتفسح المجال لمجيء آلاف اللبنانيين العاملين في الخارج، لقضاء إجازتهم الصيفية بين الأهل والأصحاب، مما يُساعد، ولو إلى حدّ معين، في تعويض خسارة موسم آخر للسياحة والاصطياف، بعدما أدت مناخات التصعيد السياسي والأمني، إلى إحجام الزوار العرب عن التوجه إلى بلد الأرز، الذين طالما أعربوا عن تعلقهم وحبهم للشقيق الأصغر!

غير أن السؤال الذي يشغل بال اللبنانيين، ويُقلق هواجسهم، هو: هل التمديد لمجلس النواب يُنهي إشكال قانون الانتخاب، ويؤدي إلى هدنة سياسية، ولو اقتصر عمرها على أشهر الصيف فقط ؟
والواقع أن الإقدام على التمديد، وهو خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأنظمة الديمقراطية، يطرح عدّة تساؤلات، لا نخال أن أحداً من الأطراف السياسية يملك أجوبة فورية وواضحة عليها!
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ماذا سيكون مصير تكليف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة العتيدة، على اعتبار انها حكومة انتخابات، ويُشترط بأعضائها بأن يكونوا غير مرشحين للانتخابات؟
وهل سيكتفي قطار التمديد، في حال انطلق من محطة مجلس النواب، بمحطة ساحة النجمة فقط، أم أنه سيصل حتماً إلى بعبدا، بعد أن يمر على اليرزة، ويشمل ببركاته قائد الجيش وأعضاء المجلس العسكري؟
ومن يضمن بأن التمديد لمجلس النواب، ولو لستة أشهر في المرحلة الأولى، سيكون جزءاً من صفقة أكبر تضم التوافق على قانون الانتخابات، وتركيبة الحكومة العتيدة، وربما اسم رئيس الجمهورية الجديد، في حال رفض الرئيس ميشال سليمان فترة الستة أشهر؟
هل يمشي «حزب الله» بالتمديد وتوابعه الأخرى، أم هو مضطر، كالعادة، إلى مسايرة حليفه المسيحي الوحيد ميشال عون، وبالتالي يقف حجر عثرة أمام أية هدنة سياسية، يمكن ان يسفر عنها توافق أكثرية الأطراف السياسية حول صفقة التمديد؟

لا ضرورة للخوض في تداعيات عدم التمديد لمجلس النواب، إزاء تعذر إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، لأن كل الأطراف السياسية، باستثناء التيار العوني، تعتبر ان الوقوع في الفراغ التشريعي يطيح بآخر مقومات دولة الدستور والمؤسسات، وهو خطوة انتحارية، بمختلف المقاييس الوطنية والسياسية، لأنه يدفع البلد والنظام السياسي برمته الى قفزة بهلوانية خطيرة نحو المجهول، الذي يعني أولاً وأخيراً، الوقوع في فوضى عارمة، وتحويل لبنان إلى «دولة فاشلة»، وإلى صومال آخر، ترتع فيه المنظمات المسلحة!

السابق
هل يصبح لبنان جزءاً من حرب عالمية في سوريا؟
التالي
المواد الكيماوية النباتية السحرية