فضل الله: نخشى من انفلات الأمور

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله التي هي زادنا في الدنيا وزادنا للآخرة لبلوغ التقوى التي تعني أن لا يجدنا الله حيث نهانا ولا يفقدنا حيث أمرنا. أن نعتبر بما ورد في هذه القصة، حيث ذكر أنه كان في زمن داود رجل عابد زاهد اسمه حزقيل، قال له داوود يوما: "يا حزقيل، هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما فيه من عبادة الله عز وجل؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى. ربما عرض ذلك بقلبي، قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب فقرأه داود، فإذا فيه: أنا أروى بن سلمة، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وتزوجت ألف امرأة، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي والحجار والكفن ثيابي، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا".

وقال: "الاغترار بالدنيا والانخداع بزخارفها وبهارجها هو سبب معاناتنا. تغرينا الدنيا فنتحاسد ونتباغض ونتحاقد ونتقاتل. تغرينا الدنيا فلا نقوم بمسؤولياتنا خوفا من فقدانها، ولهذا لا نواجه ظلما وطغيانا وانحرافا. في الوقت الذي يدعونا الواجب إلى القيام بمسؤولياتنا وتحمل الأعباء وهي كثيرة".

اضاف: "والبداية من فلسطين، حيث نستعيد ذكرى النكبة، التي لم تكن فقط نكبة للشعب الفلسطيني، رغم وقعها الكبير عليه، بقدر ما كانت نكبة للضمير الإنساني حين قبل بأن يشرعن وجود الكيان الصهيوني على حساب صاحب الأرض، بحيث أصبح هذا الكيان حقيقة واقعية، وهو الذي يقوم على الإرهاب ويعاكس قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وأي ظلم هو أكبر من هذا الظلم".

وتابع: "لقد استطاع العدو الصهيوني، بمساعدة الإدارات الغربية وفي ظل التواطؤ العربي والصمت الإسلامي والمسيحي، أن يركز قواعده في فلسطين المحتلة، تحت عنوان: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ليطرد الشعب الفلسطيني من قلب فلسطين ويشرده في أصقاع العالم. لقد راهن هذا العدو على أن يموت الكبار وينسى الصغار، ولكن الشعب الفلسطيني، ومعه كل الذين يصرون على مواجهة هذا العدو وعدم الاستسلام له، استطاع إسقاط هذه المقولة، وعمل طوال سنوات النضال والجهاد التي تربو على 65 سنة، على إنعاش ذاكرة الفلسطينيين والعرب في أن أرض فلسطين ليست مجالا للبيع والمساومة، وسقط كثير من الشهداء في هذا الطريق، ولا يزالون".

وحيا "إصرار هذا الشعب على إحياء هذا اليوم: يوم النكبة، وتمسكه بمفاتيح البيوت التي خلفها معه أجداده، لنرى في ذلك أملا كبيرا في أن فلسطين ستعود، حيث ما ضاع حق وراءه مطالب. ونحن هنا نطالب الشعوب العربية والإسلامية وكل من يفكر بإنسانية الإنسان، بالبقاء مع هذا الشعب، فلا يترك وحيدا يواجه غطرسة هذا الكيان الذي يتمادى في استيطانه وفي العبث بحياته وبمقدساته".

وقال: "إننا نخشى أن تستفيد الدول الكبرى، ولا سيما أميركا، من هذا الواقع العربي والإسلامي لفرض المزيد من التنازلات التي يراد منها إسقاط القضية الفلسطينية وتهويد فلسطين. ونريد لكل البنادق التي ترتفع في الداخل، وكل السلاح والمال العربي والإسلامي، أن تكون وجهتها العدو الصهيوني، ونحن نعتقد أن الحمية والاندفاع الذي نراه الآن بمواجهة المسلمين والعرب لبعضهم البعض، لو تم توجيههما في مواجهة العدو الصهيوني لما بقيت له أي قائمة".

واضاف: "من جهة أخرى، لا يزال الجرح الكبير نازفا في سوريا وسط كل حالات القتل والدمار والعنف الوحشي بأبشع صوره التي باتت تنذر بخطر شديد، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة كلها، وقد وصلت تداعيات ذلك أخيرا إلى تركيا، كما يعاني العراق ولبنان والأردن من آثارها ومن تبعات النازحين السوريين إليها". إننا في هذا الوقت لا نزال نراهن على أن تدب الغيرة لدى الدول العربية والإسلامية لإغلاق هذا الملف وطي هذه الصفحة المؤلمة في سوريا، ونحن على ثقة بأنهم لو أرادوا لاستطاعوا، ولكن يبدو أن مفتاح الحلول بات بيد الدول الكبرى".

وتابع: "في الوقت الذي نؤكد الحرص على إيقاف نزف الدم، نخشى من أن يكون حل هذه الأزمة على حساب موقع هذا البلد في مواجهة العدو الصهيوني والسياسات الاستكبارية التي ترسم للمنطقة، وعلى حساب تطلعات الشعب السوري في توقه لعيش كريم وعزيز. ونحن في هذا المجال لا نزال نخشى من أن يكون الحل لم يحن أوانه، وإنما ما يجري هو تبريد مرحلي بعد أن كادت الأزمة في سوريا تتجاوز الخطوط وتهدد بانفجار إقليمي ودولي".

وقال: "في هذا الوقت، لا تزال مشاهد التفجيرات الوحشية تتوالى في المنطقة ولا سيما في العراق، مستفيدة من الانقسام الحاد داخل الساحة العراقية ومن تعقيداتها وتشابكها، بات يستدعي من كل الواعين داخل هذه الساحة التحرك من أجل توحيد الصفوف لمواجهة فتنة مذهبية يراد لنيرانها أن تستعر في العراق لحسابات إقليمية ودولية لا تريد للعراق الاستقرار والأمان".

اضاف: "أما البحرين، فلا تزال معاناة أهلها مستمرة، حيث وصل الأمر إلى الاعتداء على منزل أحد كبار علماء البحرين الشيخ عيسى قاسم، ونحن في الوقت الذي ندين هذا العمل، نعيد التأكيد على ضرورة احترام المواقع والرموز الدينية، والنظر بكل جدية إلى مطالب الشعب البحريني وحقوقه. وهنا ندعو مجددا إلى العودة للحوار الجاد والموضوعي بعيدا عن لغة العنف والإثارة".

وتابع: "أما لبنان، الذي تكاد أصوات الطائرات الصهيونية تطغى فيه، حيث لا تفارق سماءه، إلى جانب الاستفزازات شبه اليومية من العدو، فإنه لا يزال يعاني من الطاقم السياسي الذي لا تحركه مصالح الناس ومعاناتهم ومستقبلهم، بقدر ما تحركه ارتباطات الخارج، ومصالحه الطائفية والمذهبية، وتحالفاته السياسية في الداخل. لذلك، بتنا نجد أنه من الصعوبة بمكان إيجاد حلول في ظل صراعات الخارج وتضارب المصالح في الداخل".

وختم: "إننا نعتقد أنه من غير المسموح دوليا وإقليميا أن يصل العبث السياسي اللبناني إلى المستويات الأمنية الخطيرة، كما أننا نخشى من أن يؤدي التشنج السياسي والطائفي والمذهبي، إلى انفلات الأمور، ولكننا نبقى نراهن على الحكماء الذين يتدخلون في الوقت المناسب من أجل إيجاد حل وسط يقي لبنان مشاريع الخارج وتداعياته، بعيدا عن كل حسابات المحاصصة الطائفية والمذهبية".   

السابق
سليمان: لانجاز قانون انتخابي بدل اهدار الفرص بالمهاترات والتخوين المتبادل
التالي
بان ولافروف دعيا الى تنظيم مؤتمر دولي حول سوريا في اسرع وقت