هل سيعود رفسنجاني لرئاسة إيران?

رغم أن منصب الرئاسة في إيران مجرد منصب شكلي محض في ظل السلطات الواسعة وغير المحدودة للولي الفقيه , إلا أنه في حالة شخص قيادي من الجيل الأول من قادة الثورة في إيران كالشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني ذي أبعاد مختلفة بالمرة , نظرا الى دوره الكبير و المؤثر في صناعة وقيادة الجمهورية الإسلامية و التي يمثل رفسنجاني أحد قياداتها التاريخية و الفاعلة , و لشخصيته الوازنة و المؤثرة و لدوره الكبير في صناعة القرار الإيراني, على المستويين السياسي و العسكري, خلال مرحلة الحرب العراقية- الإيرانية الطويلة المرهقة والدموية ( 1980 / 1988 ) , فهو قد قضى سنوات طويلة على قمة هرم المؤسسة التشريعية ( البرلمان ) أو مجلس الشورى ( 1980/1989 ) قاد خلالها من خلال تفويض الخميني الراحل له إدارة عمليات الحرب مع العراق باعتباره مندوبا للإمام في مجلس الدفاع الإيراني الأعلى, وكان له الدور الفاعل و المؤثر في إقناع الخميني بإيقاف الحرب مع العراق وقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 و الذي انتهت بموجبه العمليات العسكرية لأطول حرب إقليمية في الشرق الأوسط و أشدها كلفة دموية ومادية, وذلك بعد سلسلة من الهزائم العسكرية الإيرانية في الجبهة الجنوبية ( الفاو ) وقاطع البصرة, والفشل الإيراني في تحقيق و تنفيذ هدف إسقاط نظام صدام حسين , وحيث تمكن رفسنجاني من إقناع الخميني بإيقاف الحرب حفاظا على الثورة الإيرانية, وهو ماتم له في نهاية المطاف , وحيث رحل الخميني عن الدنيا في يونيو 1989 وساهم رفسنجاني في تعبيد طريق السلطة و الولاية لرئيس الجمهورية الأسبق حجة الإسلام علي خامنئي الذي تم ترفيعه لرتبة "آية الله" على الضد من كل السياقات و المقاييس المعروفة في مؤسسة الحوزة العلمية الشيعية وتحول الخامنئي ليكون الخليفة الأول للخميني, ويرث صلاحياته السلطوية المطلقة , ويؤسس لمرجعيته وهو أمر ماكان ليمر بهذه السلاسة لولا الجهود التي بذلها رفسنجاني الذي تحول ليكون رئيسا للجمهورية لفترتين رئاسيتين شكلتا مرحلة إعادة بناء ما خربته الحرب مع العراق, وحيث استمر في الرئاسة من عام 1989 وحتى 1997 حينما تسلمها الإصلاحي محمد خاتمي .
اتسمت فترة رئاسة رفسنجاني بإعادة صياغة الخطاب السياسي الإيراني وتعزيز مؤسسات الدولة , وبناء علاقات جديدة ومختلفة مع دول الجوار العربية خصوصا والانفتاح على العدو القديم ( العراق ) إضافة الى تعزيز الثقة والتواصل مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج, وتوجيه رسائل تطمين إقليمية بعد نزع فتيل التوتر الدائم الناتج عن السياسات العدوانية الإيرانية , إضافة الى اطلاق اقتصاد السوق في إيران ما يريح تجار "البازا" الإيراني الذي يعتبر رفسنجاني نتيجة لإنتمائه الطبقي واحدا منهم , كما ساهم مساهمة فاعلة في عملية خداع ستراتيجية للنظام العراقي بعد غزو الكويت عام 1990 تمكن الإيرانيون خلالها من الاستحواذ على عشرات الطائرات العسكرية, والمدن, العراقية بعد أن اعتبروها جزءا من تعويضات الحرب مع العراق ! وهي القضية التي ظلت معلقة لسنوات طويلة وسكتت عنها حكومات مابعد احتلال العراق, وخصوصا حكومة المالكي الحالية التي أهملت ذلك الملف بالكامل, بل أن رئيس "المجلس الأعلى" الراحل عبدالعزيز الحكيم كان قد أعرب عن إيمانه بضرورة دفع العراق لتعويضات لإيران بلغت قيمتها مئة مليار دولار اميركي!
ترشيح رفسنجاني للرئاسة في ظل صراع انتخابي شرس ووجود أسماء حافلة وشهيرة كعلي أكبر ولايتي وحسن روحاني ومشائي وغيرهم يعطي لحملة انتخابات الرئاسة أهمية استثنائية نظرا الى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران وحالة الحصار الاقتصادي القاسي ورياح التهديد بحرب إقليمية وكذلك نظرا الى التورط الإيراني المضطرد في الشأن السوري, والتوتر الدائم مع دول الخليج العربي.
لرفسنجاني علاقات شخصية وسياسية واسعة جدا في الإقليم , وجوده في منصب الرئاسة وبما له من تأثير وبراغماتية يمكن أن يخفف كثيرا من حجم الضغوط في السياسة الإيرانية ولربما يفتح ثغرات كبيرة في جدران المقاطعة الدولية القاسية.
رفسنجاني قد يكون النطاسي و المعالج لأمراض الترهل و العصبية والتشنج في السياسة الإيرانية وعودته للرئاسة من جديد تظل احتمالا قويا قائما رغم المنافسة الشرسة من مستشار الولي الفقيه علي أكبر ولايتي… ذئاب السياسة الإيرانية القديمة تعود للمنافسة الشرسة من جديد, وكل الاحتمالات قائمة.  

السابق
الأردن… والتواضع الإيراني المطلوب
التالي
الصايغ: مبدأ الحياد يضمن السلم الأهلي في المجتمعات التعددية