ماذا بعد الغارة الإسرائيلية على دمشق؟

لم يكن صعباً على من تتبّع وقائع المؤتمر الصحافي المشترك لوزيري الخارجية الأميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف في موسكو أن يلاحظ أنّ الموقف الاميركي قد اقترب من الموقف الروسي إزاء الأزمة السورية أكثر من اقتراب موسكو من واشنطن. كذلك لم يكن صعباً على من يجهل اللغتين الروسية والإنكليزية أن يلاحظ تواضع كيري أمام اعتداد لافروف الذي قال: «إنّنا سمعنا كلاماً من القيادة السوريّة يتعامل بإيجابية مع فكرة الحوار، وإن كنّا ننتظر منها أفعالاً، فيما لم نسمع من المعارضين حتى كلاماً قبل أن نطلب منهم أفعالاً».

ويعزو محلّلون استراتيجيون اقتراب واشنطن من موسكو إلى جملة عوامل أبرزها فشل الغارة الإسرائيلية على دمشق في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، فالمستودعات التي قُصِفت كانت خالية لأنّ الجيش السوري كان قد تلقّى معلومات عن أهداف الغارة المتوقّعة وتزامنها مع تحرّك مسلّحي المعارضة لاقتحام بعض أحياء دمشق ونقل المعركة الى قلب العاصمة السورية، وهو التعويض الوحيد المتاح عن الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها المعارضة المسلحة في الميدان.

ويرى المحللون أنّ تركيز لافروف وكيري على تعاون وثيق لمكافحة الإرهاب يشير الى أنّ واشنطن باتت مقتنعة بأنّ "القاعدة" وأخواتها قد باتت لها الكلمة الأولى في المعارضة المسلّحة، ممّا يحرج السياسة الاميركية القائمة منذ عام 2000 على مكافحة الإرهاب.

وكان اللافت للمحلّلين تصريحات خبراء استخباراتيّين واستراتيجيّين أميركيّين بأنّ سوريا تملك دفاعات جوّية أقوى بكثير ممّا كانت تملك ليبيا، وأنّ الغارة الاسرائيلية قد استهدفت دمشق من أجواء غير سورية، وتحديداً من البحر، أو من الأجواء اللبنانية، وهذه التصريحات يقف وراءها قادة البنتاغون الذين يرفضون التورّط العسكري في سوريا.

ويبدو أنّ ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد ساعات على الغارة قد جعل واشنطن تدرك أنّ الوضع في سوريا قد يتطوّر إلى حرب إقليمية وعالمية، وذلك في ضوء معلومات نشرها موقع "دبكا" الاسرائيلي، ومفادُها أنّ موسكو مستعدّة لتزويد سوريا أسلحة لم تزوّدها إيّاها قبلاً، خصوصاً في مجال الدفاع الجوّي، أو في مجال الصواريخ البالغة الدقّة في إصابة أهدافها، ويصل مداها إلى 280 كيلومترا.

وقد أخذت واشنطن في الاعتبار التصريحات الإيرانية عن الاستعداد لدعم سوريا والمقاومة، ووصول مبعوثين إيرانيين رفيعين الى دمشق للبحث معها في ردّ استراتيجيّ لا يكتفي بصاروخ من هنا أو غارة من هناك. ومن هنا، فإنّ القرار السوري بفتح جبهة الجولان أمام منظّمات فلسطينية، وربّما عربية وسورية، يعيد خلط الأوراق في المنطقة، لأنّ هذه الجبهة هي جبهات على الحدود بين سوريا وإسرائيل، ولها امتدادات في الأردن ولبنان.

ولاحظ المحلّلون أنّ الغارة الإسرائيلية كسرت عزلة كان خصوم النظام السوري قد أحكموها عليه لمدى عامين ونيّف، ووصل بهم الأمر إلى إخراج دمشق من الجامعة العربية. وهنا يبرز الموقف المصري بزيارة قائد القوات المسلحة الفريق عبد الفتاح السيسي المفاجئة لتركيا بعد ساعات من الغارة، مؤكّداً أنّ القاهرة تعتبر دمشق القطب الثاني في منظومة الأمن القومي العربي، وأنّ انهيار سوريا سيشكّل ضربة قاضية لمصر وأمنها القومي.

وكان اللافت أيضاً الموقف السعودي الذي دان بقوّة الغارة الإسرائيلية على دمشق متميّزاً بذلك عن دول خليجية أخرى ولا سيّما منها قطر التي لاذت بالصمت بعدما كانت قبل أيام تقود مبادرة سلام معدّلة إلى واشنطن. ولعلّ الارتباك القطري هو الذي يفسّر طلب الدوحة العاجل زيارة رئيس وزرائها الشيخ محمد بن جاسم طهران في الأيام القليلة المقبلة، وهو ما يفسّره المراقبون "تقرّباً" قطريّاً من الموقف الإيراني إزاء سوريا يحاكي اقتراب واشنطن من موسكو في هذا الصدد.

ولا يغفل المراقبون إبعاد زيارة وزير خارجية إيران علي اكبر صالحي للأردن حاملاً مبادرة، قيل إنّ فيها "العصا والجزرة" في آن واحد، وهدفها منع الأردن من الانصياع لضغوط وإغراءات لكي تكون حدوده مع سوريا ممرّاً لمسلحين يتولّون حماية الحدود مع اسرائيل وإضعاف النظام السوري.

لكنّ السؤال الأهم يبقى، هل تستطيع واشنطن تنفيذ التعهّدات التي قطعتها لموسكو بالضغط على المعارضة وداعميها للانخراط في مفاوضات مع النظام؟

لا شكّ أنّ الشهر الفاصل بين اجتماع موسكو وموعد المؤتمر الدولي المزمع عقده، سيحفل بالتطوّرات، من دون أن ننسى أنّ واشنطن، ومعها تل ابيب ومن معهما، ما زالوا يعلقون آمالاً على حركة ما تنطلق من طهران لإرباك القيادة الإيرانية داخليّاً في أجواء الانتخابات الرئاسية.

ولذلك قد يمتدّ هذا الشهر إسابيع إضافية تنتظر ما سيجري في طهران وفي لقاء أوباما ـ بوتين في ايرلندا الشهر المقبل، وفي انتظار الموعدين ستبقى سوريا أسيرة عنف يودي بكثير من أبنائها.

السابق
طائر غريب في ميفدون قضاء النبطية
التالي
دولة أو إشتراك؟