التأليف..يتطلّب خطوة من 14 آذار

رئيسا الجمهورية والحكومة فوّتا فرصة تشكيل حكومة تكنوقراط-حيادية كانت متاحة في الأسبوع الأوّل على التكليف، حيث كان باستطاعتهما إحراج الجميع بتشكيلة متوازنة من اختيارهما لا تشكل تحدّياً لأحد، بل تأخذ في الاعتبار التمثيل الشيعي تحديداً عبر تسمية وزراء قريبين من بيئة "حزب الله"-"أمل"، والمثول لاحقاً أمام مجلس النواب لنيل الثقة.

ففي حال نالت الثقة تدخل البلاد في مرحلة جديدة بأولويّات مختلفة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية. وفي حال حجب هذه الثقة يتحمّل كلّ فريق مسؤولية موقفه، وتتحوّل هذه الحكومة فوراً إلى حكومة تصريف أعمال يدخل معها الرئيس المكلّف إلى السراي الحكومي لممارسة مهامّه ومسؤوليّاته ولو بالحدّ الأدنى.هذه الخطوة قد تكون أصبحت متعذّرة اليوم، الأمر الذي وضع الأمور أمام احتمالين:

الأوّل، التشكيل بشروط 8 آذار: وجهة النظر الـ14 آذارية المؤيّدة لهذا الاحتمال تنطلق من فرضية أنّ "حزب الله" لا يريد قيام حكومة، وأنّ مصلحته تكمن في الفوضى الدستورية وصولاً إلى دستور جديد في اللحظة المناسبة، كما إبقاء لبنان في الفراغ ليتمكّن من التفرّغ لأجندته السورية، وبالتالي من مصلحة 14 آذار الحفاظ ولو على شكل الدولة في هذه المرحلة، قطعاً للطريق أمام أهداف الحزب ورغباته. ولذلك فإنّ منحَه الثلث المعطل والوزارات التي يرغب ليست آخر الدنيا، لأنّ المهم هو إبعاد شبح الحرب عن لبنان.

الثاني، التشكيل بشروط المرحلة السياسية التي تتطلّب حكومة من خارج الاصطفاف القائم لتتمكّن من قيادة المرحلة الانتقالية وإتمام الانتخابات النيابية. فقوى 14 آذار لا يمكنها المشاركة في حكومة إلى جانب 8 آذار، كون أيّ مشاركة من هذا النوع توفّر الغطاء لـ"حزب الله" من اتّهام عناصره باغتيال الشهيد رفيق الحريري إلى تفجيرات بلغاريا وقبرص وصولاً إلى سوريا.

وأيّة مشاركة تتطلّب بالحدّ الأدنى تعهّد الحزب بالانسحاب من المعركة السورية بغية أن تضمن تطبيق سياسة النأي بالنفس الفعلية لا الشكلية، وإلّا فما قيمة مشاركتها في حكومةٍ أحدُ أطرافها الرئيسيّين يخوض أشرس المواجهات العسكرية إلى جانب النظام ضدّ المعارضة، الأمر الذي يضع لبنان في قلب محور الممانعة وطرفاً في المواجهات الدائرة، لأنّ هناك اختلافاً جذريّاً بين الحكومة الميقاتية التي اعتبرتها 14 آذار حكومة "حزب الله"، وبين حكومة وحدة وطنية تشكّل غطاءً لبنانيّاً للحزب وتضع لبنان الرسمي في كلّ مكوّناته في مواجهة المعارضة السورية، مع كلّ ما يترتّب على ذلك من تداعيات على لبنان.

فتورّط "حزب الله" في الحرب السورية ليس تفصيلاً، وهذا التورّط يجعل المشاركة معه في حكومة واحدة مستحيلة، وبالتالي شرط هذه المشاركة الانسحاب من المعركة السورية.

وحيال هذه الوقائع، وأمام استحالة تسليم 14 آذار بالتشكيل بشروط "حزب الله" حماية للبنان، وأمام استحالة تسليم "حزب الله" بالتشكيل بشروط غيره، على قاعدة أنّ توازن القوى القائم في المنطقة وسوريا ولبنان لا يسمح لـ14 آذار بأكثر من استعادة رئاسة الحكومة، يجب على 14 آذار أن تعلن رفضها المشاركة في الحكومة التي يصرّ "حزب الله" على المشاركة فيها مقابل دعمها المطلق للتشكيل بين الوسطيّين و8 آذار من منطلق تفويض رئيسَي الجمهورية والحكومة صلاحية تسمية من يرتؤون من حصّة 14 آذار ومن خارج صفوفها على أن تحجِب الثقة عنها في مجلس النوّاب انسجاماً مع رفضها لمقولة "جيش وشعب ومقاومة" وأيّ عمل في سوريا يتنافي مع المصلحة اللبنانية، في موازاة أن تتمنّى لها كلّ التوفيق في عملها.

السابق
مناطق جعجع العازلة
التالي
الراعي: للاسراع في تشكيل الحكومة