حزب الله يترجم الوفاء عسكرياً

عشية الذكرى الثامنة لانسحاب الجيش السوري من لبنان بعد ثلاثة عقود من فرض الوجود العسكري والأمني، والذي يصادف غداً، أراد النظام الأسدي الترويج لمقولة تحسين مواقعه فلم يجد بدّاً من الاستعانة بمقاتلي "حزب الله" وخبراتهم العسكرية للإيحاء بتقدم عسكري "حاسم"، كما لم يجد بدّاً من استدعاء رموز حلفائه في لبنان ليحذّر من أن كلمته على هذه الساحة لم تزل وازنة، وأنّ انعكاساتها تشمل الاستقرار الأمني كما تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات.
فقد أتى الوقت ليترجم "حزب الله" ميدانياً، وبذريعة حماية اللبنانيين الشيعة في القرى الحدودية والمقامات الدينية، شعار "الوفاء لسوريا" الذي رفعه عام 2005 إثر انسحاب قوات الأسد بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدفع من التحركات الشعبية والقرارات الدولية. وقد حان هذا الوقت بعد فشل النظام السوري خلال عامين في القضاء على الثورة التي فرضت سيطرتها على أجزاء واسعة رغم لجوء النظام إلى تدبير المجازر الوحشية واستخدامه حتى البراميل المتفجرة والمقاتلات الحربية.
لكن "حزب الله" تدخل فعلياً لأهداف استرتيجية تتلخص في الحفاظ على محور الممانعة الذي يشمله إلى جانب النظام الأسدي والنظام الإيراني. وتركّز تدخله خصوصاً في إطار سعي النظام إلى استعادة ريف القصير ولاحقاً بلدة القصير الاستراتيجية لقربها من طريق دمشق – حمص والمنطقة الساحلية التي لا تزال خاضعة للنظام تمهيداً لاستعادته السيطرة على وسط البلاد بما يقطع خطوط تواصل الثوار في المناطق الحدودية. ويروي لبناني مقرّب من النظام السوري أن الخطط كانت تتمحور على الاحتفاظ بالمدن الرئيسية وأنه بعد فشل الثوار في إطلاق مشروع تحرير دمشق انتقل النظام إلى خطة لاستعادة الأرياف وخصوصاً ريفَي دمشق وحمص.
وفي هذا الإطار أتى استدعاء الأسد لوفود مناصريه اللبنانيين بعد انقطاع طويل وأعقب ذلك لقاء السيد حسن نصر الله بمرشد الثورة الإيرانية، بما يعني تفعيل الخطط حتى لا تخسر إيران ركيزتها الإقليمية المتبقية. وبهذا أراد الأسد القول إنه ما زال لاعباً رئيسياً في لبنان وليحتج علناً على سياسة "النأي بالنفس" الرسمية رغم أنها كانت مبتورة، بما يعني طلباً واضحاً وصريحاً بالانخراط في دعم النظام على المستويات كافة.
هذا القول سينعكس حكماً على لبنان. لذا يبدو أن تأليف الحكومة لن يكون سهلاً رغم أن تكليف تمام سلام أتى بإجماع حلفاء سوريا، لكنه أتى في لحظة إرباك من جراء استقالة حكومة نجيب ميقاتي ولعدم توفر مرشح لدى "قوى 8 آذار" يؤمنون له الأكثرية اللازمة ولكسب الوقت. ولذا التعسر في التوصل إلى قانون انتخابات رغم خلاف بين حلفاء سوريا من ميشال عون الذي يريد إجراءها إلى "حزب الله" الذي يفضل تعطيلها ولو أدى الأمر إلى فراغ دستوري. فبعد كل مفاوضات بين الأطراف السياسية على قانون انتخاب جديد (خصوصاً المختلط منه) يعود لبنان، كما بعد توقف لجنة التواصل الثلاثاء، إلى المربع الأول: "الأرثوذكسي" مقابل "الستين".
كما ينعكس حشد الأسد لمناصريه في لبنان على الاستقرار الذي حاول عبثاً نظامه زعزعته مرات عدة عبر أدواته المحلية، من افتعال مشاكل في عكار واغتيال شيخين إلى الاعتداء على مشايخ في بيروت إلى مخطط سماحة – مملوك التفجيري. فاستقرار لبنان يهتز بالتأكيد من تورط "حزب الله" الذي أدّى إلى إطلاق دعوات جهادية لمناصرة السنّة في سوريا والتي يبقى خطرها قائماً رغم رفضها من قِبَل قوى الاعتدال وفي مقدّمها الرئيس سعد الحريري و"قوى 14 آذار" كما "الجيش السوري الحر".
صحيح أنّ "حزب الله" وحلفاءه شكلوا منذ الانسحاب السوري تعويضاً عن هيمنة دمشق، فحالوا دون العبور إلى الدولة وأبقوا، بفضل احتفاظهم بسلاح خارج سلطة الدولة، على شبه توزان سياسي مع سائر القوى التي حققت فوزاً بدورتين انتخابيتين. ويبقى أنّ المحك الأساسي لخلاص لبنان يكمن بزوال نظام الأسد بما يعزل "حزب الله" لبنانياً وإيران إقليمياً.
ويسابق حشد النظام السوري المؤشرات للإيحاء بقوته مع قرب انعقاد القمة الأميركية – الروسية المتوقعة في حزيران المقبل وعشية الانتخابات الإيرانية. فهو أراد الإيحاء بأنه استعاد بعضاً من نفوذه وأنه على طريق استعادتها عله يقوي موقع حليفه الروسي.
لكن فعلياً التغيير في سوريا لا يكون بالرهان على توافق أميركي – روسي حول "اتفاق جنيف" الذي مضى على إقراره نحو 11 شهراً وهو لم يتطرق إلى مصير الأسد بل نص على حكومة انتقالية واسعة بصلاحيات كاملة. فرغم اختصار وزير الخارجية الأميركي جون كيري مؤخراً الخلاف بأنه يتعلق "بوجهات النظر حول متى وكيف يرحل الأسد" وقوله إثر لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف "لا أعتقد أن هناك خلافاً بيننا حول كون رحيله جزءاً من الحل" فقد أشار إلى أن أفق هذا الحلّ "لا يزال بعيداً".

السابق
بوغدانوف في بيروت.. وجملة رسائل الى اللبنانيين
التالي
المغررون أخطر من المفجرين!