هل يتمكن من التأليف..؟

تنفّس اللبنانيون الصعداء، وهم يستمعون إلى رئيس الحكومة العتيدة يُعلن إطفاء المحركات عن الكلام المُباح، وأدركوا أن حملات التهويل والتشكيك التي أطلقتها بعض مكونات 8 آذار، لن تجدي نفعاً في زحزحة الرئيس المكلف عن قناعاته، ولا في استدراجه إلى معارك كلامية، وسجالات بيزنطية لا طائل منها!
لم يعد خافياً أن شهوة السلطة، وشهية الاستيزار، وما أدراك من مغانم السلطة والوزارة عشية الانتخابات، هي وراء ضغوط التهديد بالانقلاب على الإجماع على التكليف، وزرع مسار التأليف بشتى أنواع العقبات والألغام، بهدف تعطيل، أو على الأقل عرقلة، ولادة الحكومة الجديدة!
في حين يسعى الرئيس المكلف، ومعه رئيس الجمهورية، إلى تشكيل حكومة انتخابات، من مواصفاتها الأساسية أن تكون متوازنة، وفاقية، تحظى بتأييد وثقة الأطراف السياسية، وتضم وزراء غير مرشحين للانتخابات، وشخصيات سياسية، غير منتمية إلى أحزاب أو تيارات سياسية، تجنباً لانتقال متاريس 8 و14 آذار إلى داخل مجلس الوزراء، وحرصاً على عدم الوقوع في شباك التعطيل، التي أفقدت الحكومات السابقة الكثير من إنتاجيتها وفعاليتها.

وبعيداً عمّا يدور في صالونات دارة المصيطبة في اللقاءات المغلقة، ثمة تخوّف من هذا الإصرار، غير المبرّر، من التيار العوني وبعض حلفائه، على المطالبة بحكومة سياسية بحجة أن المرحلة الراهنة، وتعقيداتها المحلية والخارجية، تتطلب جهوزية استثنائية من الدولة اللبنانية، لمواجهة التطورات المحتملة كذا! الأمر الذي سيؤدي، بشكل أو بآخر، إلى استفحال السجالات السياسية من جديد، وتأخير تشكيل الحكومة، وإضاعة فرصة الإجماع، وما حملته من بوادر توافق داخلي جديد، أو على الأقل تقارب الحد الأدنى بين تيّار المستقبل و «حزب الله».
الترحيب بشعار «حكومة المصلحة الوطنية»، والعمل على ترجمته خطوات واقعية على الأرض، ليست مسؤولية الرئيس المكلف وحده، بقدر ما هو مسؤولية وطنية مترتبة على كل الأطراف السياسية المعنية بتقديم بعض التنازلات و«التضحيات» للوصول إلى مساحة مشتركة تجمعها مع الرئيس المكلف، وتسرّع عملية الولادة الحكومية في أجواء سلسلة من التعاون والوفاق، بما يُعزّز مناخات التفاؤل والانتعاش، التي ظهرت عقب إعلان الإجماع على ترشيح تمام سلام لتشكيل الحكومة العتيدة.
لا جدال، بأن تسهيل الوصول إلى التشكيلة الحكومية الجديدة، سيحقق مجموعة مكاسب لكل الأطراف السياسية، قياساً على إعادة النبض للحركة الاقتصادية، والعمل على إنقاذ موسم السياحة والاصطياف قبل فوات الأوان، وإتاحة المجال لمناقشات هادئة وحاسمة لقانون الانتخابات، وصولاً إلى إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري في أجواء أمنية ملائمة، بعيداً عن مظاهر التوتر وخطابات التشنج السياسي والطائفي والمذهبي، التي سادت في الفترة الأخيرة.
في حين أن تعثر الولادة الحكومية، أو الوقوع في فخ تعطيل مهمة الرئيس المكلف، بألغام الشروط والمطالب المتناقضة، سيؤدي حتماً إلى نسف إمكانية التوافق على قانون الانتخابات، وبالتالي ترجيح كفة التأجيل القسري، وليس التقني وحسب، إلى أجل أطول من المقبول، محلياً وخارجياً، وإضاعة المزيد من الفرص الوفاقية والإنمائية على البلاد والعباد، وقد يصل الأمر إلى حد اعتبار «لبنان دولة فاشلة» على حدّ قول أحد المسؤولين الأميركيين، بسبب عدم إجراء الانتخابات النيابية.

بين هذين الاحتمالين، لا خيار أمام اللبنانيين إلا الوقوف إلى جانب رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، في مسعاهما تشكيل «الحكومة الوفاقية»، بعيداً عن مناورات الأحجام السياسية، ومقاسمات الحصص الوزارية، لأن مهمة هذه الحكومة محددة بإجراء الانتخابات، وعمرها لا يتجاوز زمن إعلان نتائج صناديق الاقتراع، التي سترسم ملامح المشهد السياسي في المرحلة المقبلة!
فهل يتمكن الرئيس المكلف من تأليف الحكومة، بعيداً عن صولات وحملات الضغط والتهديد؟
الجواب في الداخل، رهن بمدى التزام بعض أطراف 8 آذار بموجبات الإجماع، لجهة تسهيل المهمة الرئاسية بالتأليف، والحفاظ على أجواء الهدنة السياسية.
وفي الخارج، يتعلق بمدى جدّية واستمرار التفاهمات الإقليمية – الدولية، ولا سيما السعودية – الإيرانية، لتهدئة الوضع اللبناني، وإبعاده عن النار السورية، على غرار ما حصل في كل من الأردن وتركيا!

السابق
الكيماوي السوري عنوان الحرب
التالي
اللاجئون أزمة حقيقية وسليمان يطالب بنقلهم إلى الجيش الحر