الواتس-أب “خرّاب بيوت”

دخل «الواتس ـ أب» بيوت اللبنانيين من دون استئذان، متجاوزاً نعمة التواصل الفوري مع الآخر إلى نقمة الخلافات الزوجية وفقدان الخصوصية في الزمان والمكان

في البيت، في المدرسة، في الجامعة، على الطريق، في الأماكن العامة، أثناء القيادة… قلّما تجد لبنانياً من دون هاتف ذكي، يتواصل من خلاله عبر تطبيقة «الواتس ـ أب». انبهار اللبنانيين بهذه التقنية واضح؛ إذ يتعدّى استخدامه الحاجة إليه، إلى اللهو والتحرّش. «يركّب» الشبان الأرقام لأجل التعارف، فإذا كان صاحب الرقم فتاة، تبدأ رسائل الملاطفة، يقول بسام (23 سنة، عاطل من العمل)، والهدف؟ «نتسلَّى». هنا تشير سمر (29 سنة، ربة منزل) إلى أنّها باتت تتلقى رسائل من أرقام غريبة تطلب التعارف منذ أن استخدمت «الواتس أب». أما ربيع، فمشكلته مختلفة. يقول إنه عندما يعود من عمله، ينادي زوجته لإعداد الغداء، لكنها لا تلتفت لانشغالها بـ«الواتس – أب». هكذا لا يمرّ النهار من دون «مشكل». بأسىً، يتحدّث الرجل عن هذه المشكلة «الجدية» في حياته. يشرح قائلاً: «أخرج صباحاً للعمل وأعود في وقت ٍمتأخر، ولكي لا تملّ زوجتي، ألحّت عليّ لأشتري لها هاتفاً ذكياً يوفر خدمة «الواتس – أب» من أجل التواصل مع الأصدقاء والأهل. وافقت، ولكن كثرة المحادثة واللهو أتت على حساب المنزل والزوج».
سلمى هي أيضاً اختلفت مع خطيبها وتركته بعدما وجدت على هاتفه رقم إحدى الفتيات وعبارات غزل بينهما. تقول: «أخبرني قبل ليلة من انفصالنا أنه سينام ويطفئ هاتفه، ولكن عندما استيقظت وشاهدت الهاتف فوجئت بأنه استخدم الواتس أب حتى الثالثة فجراً».
هاتان الحالتان بسيطتان أمام حالات الطلاق التي حصلت وتحصل في كثير من الأسر. فقد تشاجر أحمد مع زوجته بسبب إهمالها لدراسة ابنيها وجلوسها لساعات طويلة مع الهاتف، ووصل الأمر إلى حدود الانفصال. هذه المشكلة حُلّت عبر تدخّل الأهل، بعدما اشترط الزوج إيقاف برامج المحادثة عبر الهاتف. أما سالم ومنى، فلم يُتمّا سنة ونصف سنة من عمر زواجهما، بعدما اكتشف الزوج أنها تتحدّث عبر «الواتس – أب» مع أحد أصدقائه من دون معرفته، ووصل الأمر بينهما إلى حدّ إقامة علاقة، ما دفعه إلى تطليقها.
لا يقف الأمر هنا؛ فبعض الشبان باتوا يحتفظون برسائل نساء متزوجات على «الواتس ـ أب» كمادة لابتزازهن. هكذا، يضغط الشاب على المرأة ويتوعدها بأنّه سيكشف مضمون الرسائل لزوجها، من أجل الحصول على مبلغ من المال.
تهون كل هذه الأمور عندما تعرف أن «الواتس – أب» كان سبباً لوفاة إحدى الشابات على طريق المطار قبل نحو 3 أشهر. ويروي شهود كيف كانت الشابة تنظر إلى هاتفها وهي تهمّ بقطع الطريق والانتقال إلى الجهة المقابلة، فإذا بشاحنة مُسرعة تصدمها.
لا يقتصر استعمال «الواتس – أب» على افتعال المشكلات؛ فإحدى إيجابياته كانت اكتشاف إحدى جرائم القتل التي وقعت أخيراً حين تابع المحققون هاتف زوجة الضحية، وعرفوا تورطها في الجريمة عبر «الواتس – أب».
يرى أستاذ علم الاجتماع د. طلال عتريسي، أنّ «الواتس – أب» لم يعد وسيلةً للتواصل الفوري، بل «أصبح باستطاعة أيٍّ كان أن يؤلف ما يشاء ويرسله في هذا العالم الافتراضي ويتلقاه الآلاف خلال ساعات، معتمداً عنصر التشويق الذي قد يشكل تصادماً مع البيئة الاجتماعية المحافظة إلى حدٍّ ما». ويلفت إلى «فقدان الخصوصية في الزمان والمكان؛ إذ بإمكاننا رؤية عائلة مجتمعة بمكانٍ واحد وكل فرد منها مطأطئاً رأسه يلهو بهاتفه، وهذا عدا عن حوادث السير التي بات يسببها استخدام الهاتف و«الواتس – أب» في أثناء القيادة». يذكر أنّ جمعية «كن هادي» أطلقت أخيراً بالتعاون مع إحدى شركات الاتصالات اللبنانية حملة بعنوان «بالسيارة كلفة المكالمة غالية»، تهدف إلى التوعية على خطورة استخدام الهاتف الخلوي أثناء القيادة، وذلك للحدّ من حوادث السير. وتشير الأرقام إلى أنّ إقبال معظم مشتركي الخلوي على «الـواتس – أب» تحوّل إدماناً. وكشفت إحدى شركات الإحصاء أن 36% من اللبنانيين يملكون أجهزة هاتف ذكية، أي ما يفوق 1.5 مليون شخص، ويمثل هذا الرقم 40% تقريباً من مشتركي الهاتف الخلوي، وأنّ 70% من هؤلاء يعتمدون التطبيقات على أجهزتهم الخلوية، 40% ينزلون تطبيقات الأخبار، 26% الألعاب و26% البريد الإلكتروني.

السابق
واشنطن تطالب بوقف الانتهاك السوري “الفظيع” للسيادة اللبنانية
التالي
أميركا عينها على نفط لبنان