مؤتمر دولي وفقاً لبيان بعبدا

العودة الى الشرعيّة الدوليّة خيار مفتوح، لكنه مُكلف، ويحتاج إلى ديبلوماسيّة متحرّرة من اصطفافات المحاور الضاغطة على الحياة الوطنيّة والسياسيّة.

عندما طرح رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان أمام الملوك والرؤساء والأمراء العرب في الدوحة عزم لبنان على الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لمعالجة قضيّة النازحين، قوبل طرحه باهتمام لافت، لكن دون التزام أي موقف علني، لاعتبارين، الأول: عدم وجود طرح واضح، او مشروع مكتوب ليُبنى عليه.

والثاني: أن المعني الأول بالقبول او الرفض هي الدول الكبرى الدائمة العضويّة في مجلس الأمن، الى جانب الدول غير الدائمة العضويّة، أما الدور العربي فيكون بمثابة رافعة، ودور داعم.

لم يذهب طرح الرئيس سليمان هباء. مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسيّة جيفري فيلتمان كان في الدوحة، وسمع، ودوّن. وزراء الخارجيّة أخذوا علماً.

بعض الحراك بدأ في الكواليس، "لبنان متعاون جيد مع الأمم المتحدة، ويحظى بسلّة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التي تحصّن شرعيته، وتؤكد سيادته على كامل ترابه الوطني. القرار 1559 تحوّل مهم، أُخذ ببعضه، ولم يؤخذ بالبعض الآخر، وربما حلّ الظرف الملائم لتنفيذه بكامل مندرجاته".

هناك من يرى من منظار ديبلوماسي أنه آن أوان البحث الجدي للفصل بين المسارين اللبناني والسوري. أولاً: إن هذا المطلب كان من المحاذير الممنوع تداولها، كانت الهيمنة السوريّة سائدة، هيمنة مخابراتيّة، وعسكريّة، وسياسيّة، وكان والي عنجر الآمر الناهي.

حتى بعد انتهاء زمن عنجر بقيت الهيمنة المخابراتيّة والسياسيّة، وبالتالي كان لبنان الرسمي ممنوعاً من مناقشة مواضيع أمنيّة وحدوديّة وسياديّة، وكان ممنوعاًَ من البحث في السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خصوصاً في المواقع الحدودية كمناطق سلوى وكوسايا.

كان لبنان مخطوفاً، كان رهينة. والآن بدأ الوضع السوري الداخلي يشهد تغييرات عموديّة وأفقيّة يبنى عليها، وربما بات هامش الحريّة أوسع ليتحدث بما يتوافق ومصالحه العليا.

ثانياً: إن الوضع الداشر في المناطق الحدوديّة المتداخلة، قد حوّل مناطق لبنانية الى مساحات داشرة. يتحدث رئيس الجمهورية عن مليون وربع مليون نازح ولاجئ، ربع سكان لبنان من السورييّن والفلسطينيين، والحبل على غاربه.

مليون وربع مليون ربطة خبز، وعلبة دواء، فضلاً عن الكساء والمأوى والحاجيات البيئيّة والصحيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. ليس هذا بقليل، وأرقام تحاكي أرقاماً، ومنطق فيه الكثير من الفوقيّة، "على لبنان أن يتحمّل؟!". أما لماذا على لبنان أن يتحمّل؟ وكيف؟ فهذا شأن آخر؟!

ثالثاً: إنّ الأزمة مفتوحة، بعض الداخل اللبناني يتدخل في الشأن السوري، وبعض الداخل السوري يحاول أن يستثمر في المناخ اللبناني الطائفي – المذهبي عن طريق الفوضى، والقفز فوق القانون، أو عن طريق متورطين محلييّن يسهّلون له شؤونه، ويمهّدون الطريق أمامه.

إن هذه الحالة المتداخلة هي سرطانيّة لأنها تنهش من العافية اللبنانية، من مهابة الدستور والقوانين المرعيّة، ومن هيبة الدولة ومؤسساتها، ولا يمكن تحمّل رواسي من التبعات والمشكلات والانحرافات بإسم "الاعتبار الإنساني".

فهذا الاعتبار موجود في بعض الحالات، عند بعض الناس والعائلات، وليس بجمهور هادر يزحف بإسم النزوح وقد بلغ مبلغاً يُقدّر رسميّاً بمليون وربع المليون نازح ولاجئ.

رابعاً: إن الفاعليات السياسيّة مطالبة، وأيضاً الحكومة المنتظرة، والدولة برموزها ومؤسساتها، والشعب ايضاً، وكل الطوائف والمذاهب التي يحمل اتباعها الهوية اللبنانية، باستيعاب هذا التحديّ، والتفكير في سبل الحدّ من تداعياته، والنظر الى المستقبل، وإحترام الثوابت الوطنيّة، والعمل بوَحيها.

إن مؤتمراً دوليّاً لحماية لبنان الوطن والكيان، ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات من تداعيات الأزمة السوريّة، وعلى أساس بيان بعبدا، فكرة سديدة إذا ما اقتنع "حزب الله" بأنه جزء من الدولة والمجتمع، وأن سلاحه قد تحوّل الى حجّة لتبرير ظاهرة السلاح اللّاشرعي التي تتمدّد، ويتعاظم شأنها في وجه السلاح الشرعي، ويتفاقم خطرها ليهدد السلم الأهلي.

لا زال الحزب يرفع ثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة من دون أي توافق وطني، وفي الوقت الذي أيّد بيان بعبدا، أنه كوكتيل من التناقضات ما بين المواقف والتصرفات، وهذا ما يبرر التساؤل: متى يرى الحزب أن الدولة أولاً، وهو ثانياً وثالثاً، ومتى يرى نفسه أولاً والدولة ثانياً وثالثاً؟

لقد إرتضى الشرعيّة الدولية في الجنوب من خلال القرار 1701 بعد حروب مدمّرة، فهل يرتضي بشرعية دوليّة تعالج النزوح، وتقي لبنان من تداعيات الأزمة المتفاقمة في الجوار، أم أن سلاحه وخياراته هي أولاً؟

السابق
اجتماع في عين التينة لترطيب الأجواء واستبعاد الأسماء الإستفزازية
التالي
هو نيسان.. وكفى!