سعد راجع

سعد الحريري سيعود إلى السرايا الحكومية. جملة بسيطة، بدأ تداولها لحظة استقال نجيب ميقاتي أو استُقيل. في هذه الجملة، على سذاجتها، ما يُدلل على عودة الروح إلى جمهور يؤيّد رئيس الحكومة السابق، شعر بالخسارة حين خرج الأخير من السرايا ثم من لبنان كلّه. وما يُدلل في الطرف الآخر على دهاء، أو خُبث، يراد من خلاله استباق ما هو آتٍ من خلف الحدود.

واقع الحال يقول بأن "حزب الله" لم يترك نجيب ميقاتي يرحل هكذا. الأمور ليست بهذه البساطة. التمديد للواء أشرف ريفي ذريعة، انتهجها الطرفان. واحد رفعها لطائفته معلناً عودته إليها فاتحاً ومنتصراً لها وبإسمها. آخر رفعها لأسباب أبعد من الشعارات التي يتحدث عنها بعض ممن هم حوله. حزب الله، سهّل مهمّة الرحيل الميقاتية لأن حساباته اليوم، مختلفة تماماً عن حسابات ما قبل أشهر. الحزب في ورطة، ورحيل ميقاتي جزء من رحلة الخروج، أو على الأقل محاولة الخروج من مأزق هو فيه.

الأمر لا يحتاج إلى منجّم، ولا إلى خبير استراتيجي، ليُفهم من يريد أن يفهم، بأن الحزب اليوم يُدرك تماماً أنّه في مأزق. الرمال السورية المتحركة تُشعره بالخوف كلما اقتربت من الشرق البقاعي، تُشعره بالخوف أيضاً كلّما ظهرت علامات انتهاء صلاحية نظام، كان أساساً في نشأة الحزب وتمدده منذ ثمانينات القرن الماضي. الاستغناء عن جندي اسمه نجيب، لم يكن صدفة ولا توتراً ولا حتى رفضاً لتمديد ما، لضابط ما، لمنظومة ما. هو في أساسه، خطة مدروسة سلفاً، لبداية عصر التسوية الأولى لا الأخيرة.

والحديث عن عودة سعد الحريري رئيساً للحكومة، هو في هذا السياق. الحديث عن عودة من قالوا عنه يوماً أنّه خائن ومتآمر، قبل أن يُقيلوه في لبنان وهو بصحبة باراك أوباما بصفته رئيساً لحكومة لبنان، يشي بما يختلج في نفس الحزب من أفكار مدروسة بعناية، هدفها أساساً، الخلاص من الرمال السورية، والتمهيد لتسوية لا يُمكن أن تكون على العناوين الكبرى. هي لا تعدو كونها تسوية مرحلية تقطيعاً للوقت، في انتظار وضوحٍ في صورة المشهد الإقليمي، وفي انتظار وضوح مشهد انهيار منظومة الممانعة التي بدأت علاماتها في سوريا، والتي التقطتها إيران مؤخراً، وما يدور في كواليس سياسة طهران يؤكد هذا التوجه.

ما يريده الحزب، إلى الآن، ليس مؤتمراً تأسيسياً كما نادى أمينه العام قبل حوالي السنة. وليس بطبيعة الحال مساومة على مخازن أسلحته الممتدة تحت الأرض وفوقها، جنوب الليطاني وشماله. لعل حزب الله يريد عودة سعد الحريري تحت شعار واحد: الهروب من نيران سوريا المشتعلة. رئيس حكومة كالحريري، قد يكون بمثابة ضمانة ما في هذه المرحلة. هم يعلمون تماماً، مهما قالوا العكس، أنّ الحريري الإبن لا يزال الأقوى، ولديه القدرة على انتشالهم مرحلياً. بعدها، لكل حادث حديث. بعدها، يبدأ النقاش على تسوية تأسيسية، أصبح الهرب منها مستحيلاً، من الحزب ومن خصومه.

بين هذا وذاك، ليس من مانع بتوتير أمني مضبوط. التوتير من عدة الشغل. طالما أنّ جرّ الحريري إلى العودة هو الأساس. وضعه بين خيار رئاسة حكومة لتقطيع المرحلة الحرجة، أو خيار ترك الأمور لفلتان الشارع و"حشاشيه"، أيضاً من ضمن هذه العدّة.

في زمن قريب وبعيد، لا أحد أخرج حزب الله من ورطته سوى الحريري، الأب ثم الإبن وبينهما الحليف الدائم فؤاد السنيورة. واحد شرّع له المقاومة، وآخر قاوم سياسياً في حرب تمّوز، وأخير انتشلهم من خسارة انتخابية، أشد المتشائمين من بينهم لم يتوقعها. واقع يشي بما يُفكر به حزب الله اليوم.

بعيداً عن سذاجة الترويج لأشرف ريفي رئيساً للحكومة المقبلة، كردٍ مُبطن من 14 آذار على ما يريده حزب الله. قد يُستدرج سعد الحريري. باستطاعتهم استدراجه إن كانت القاعدة أمن البلاد، ومن يصرخ أولاً كي لا تفلت الأمور وتذهب البلاد إلى الهاوية (طرابلس كواقع ملموس). فهل يستطيع سعد الحريري أن يمانع إغراءات السرايا؟ خاصة إن كانت عودته إليها، محفوفة بمخاطر قد تكون بأسوأ أحوالها، نهاية زمن الحريري.

السابق
اطلاق سراح المخطوفين من عرسال وآل جعفر
التالي
وزراء القمصان السود