الأمن خط أحمر

إن تغاضي الدولة اللبنانية من خلال أجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية عما يجري على الساحة اللبنانية من توترات أمنية متنقلة بين صيدا وبيروت والشمال والبقاع مبرمج ومدروس، سيساهم من دون أدنى شك في تطوير الأوضاع بصورة مأساوية تكاد تهدّد مصير ومستقبل لبنان ككل، وهذا يتطلب وقفة تاريخية ووطنية على مستوى المسؤولين والقوى السياسية لتدارك الأسوأ، خصوصاً أن ما تمرّ به المنطقة من مستجدّات وتطوّرات ستنعكس سلباً على لبنان إذا لم يكن محصّناً على الصعيدين السياسي والشعبي.
تقول مصادر سياسية، إن محاولة جعل مدينة صيدا المقاومة بوابة للفتنة التي يسعى إليها البعض تنفيذاً لأجندات خارجية تواجَه بالرفض الحاسم من قبل القوى والفاعليات والشخصيات السياسية والروحية والحزبية الصيداوية، وهي بالطبع تشكّل قاعدتها الأغلبية الشعبية المؤمنة بخيار المقاومة الذي ترجمه النائب السابق أسامة سعد والدكتور نزيه البزري والشيخ ماهر حمود.
وتضيف المصادر السياسية، كون صيدا بوابة الجنوب وطريق استراتيجي للمقاومة، فإن هدف الجهات التي تثير النعرات المذهبية والطائفية هو فتح معركة جانبية مع المقاومة في محاولة لشلّ أو إرباك عملها المقاوم من خلال افتعال حوادث أمنية على الطريق الساحلية، وهذا في المفهوم الاستراتيجي يخدم العدو «الإسرائيلي» لأن جميع الشعارات والذرائع التي تسوقها تلك الجهات مردودة على أصحابها لأنها لا تمت إلى الواقع والحقيقة بصلة، من هنا تأتي خطورة التحركات الأخيرة التي قادها أحمد الأسير في أكثر من منطقة تحت شعار أن الطائفة السنية مظلومة، وكأن الطائفة الشيعية هي التي تظلمها مع أن كل هذه المعطيات المشوّهة والمزوّرة لا تمثل الحقيقة، ولأن مثل هذه الخطورة تهدّد الكيان اللبناني والدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة وخصوصاً المؤسسة العسكرية الحاضنة والحامية لجميع اللبنانيين، فعلى الدولة اللبنانية أن تحسم أمرها لناحية فرض الأمن والاستقرار على الجميع بعيداً عن شعار «الأمن بالتراضي».
واعتبرت المصادر السياسية، أن ما تشهده الساحة اللبنانية على صعيد التوترات الأمنية المتنقلة بين منطقة وأخرى لها ارتباط مباشر مع الخارج، فبعض الدول العربية والإقليمية المتورّطة في الحرب على سورية وعلى وجه الخصوص تركيا وقطر، تريد من خلال هذه التوترات الأمنية أن توجّه رسالة للأميركيين مفادها أنه إذا كانت الإدارة الأميركية تريد تجاوزاً في الحلول المطروحة والتي تطبخ مع روسيا بشأن الأزمة في سورية وتتجاهل أدوارنا باعتبارنا كنا في واجهة الأحداث التي وقعت في سورية أكان على صعيد التمويل أو التسليح أو التدريب أو إرسال المقاتلين، فنحن من جهتنا قادرون على تفجير ساحات أخرى في المنطقة ولبنان إحدى هذه الساحات وكذلك العراق، لذلك فكل طرف من هذه الأطراف يحاول أن يجد دوراً له ولو بشكل منفصل عن الطرف الآخر.
وأشارت المصادر السياسية إلى أن الاستقرار في لبنان هو مصلحة لسورية ولإيران ولحزب الله، بدليل أن حزب الله وحلفاءه، لو لم تكن لديهم مصلحة حقيقية في الاستقرار، لما بقيوا حتى الآن محافظين وداعمين لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي يعتبرها حزب الله وقوى سياسية أخرى نجحت ولو بنسبة معيّنة في تأمين الاستقرار ولو بحدوده الدنيا، لأنه عندما ينتهي دور الحكومة في تأمين هذا الجانب، ستتخلى قوى 8 آذار عندها عن دعم هذه الحكومة، ومن هنا جاءت صرخة السيد حسن نصرالله الداعية إلى دخول المخلصين من المرجعيات السياسية والروحية على خطّ المعالجات الجدّية لتفادي الفتنة التي يسعى إليها البعض ليل نهار لإدخال لبنان في النفق المظلم وفي فتنة لا يستفيد منها أي طرف وأي طائفة في لبنان، بل المستفيد الوحيد هو العدو الصهيوني الذي يعمل منذ حرب تموز وما قبلها على تدمير المقاومة في لبنان وسحب سلاحها، وعندما فشل في حروبه العدوانية على لبنان يحاول اللجوء إلى تحقيق هذا الهدف من خلال إشعال النار المذهبية بين السنة والشيعة، ولكن الدولة اللبنانية فعلت خيراً في مواجهة ما كان يخشى منه البعض، عندما اتخذت الإجراءات الميدانية الحاسمة وأوصلت الرسائل الواضحة إلى كل من يعنيه الأمر بأن الأمن خط أحمر، والفتنة بين اللبنانيين الطائفية والمذهبية خط أحمر أيضاً، مع التأكيد على ضرورة استمرار هذا النهج والسلوك في وجه الذين يريدون شراً بلبنان وبمقاومته.

السابق
قاووق: حزب الله من موقع القوة والحرص لا يرد على الشتائم
التالي
جهاز يحمي الفتاة من الاغتصاب