خطاب الحريري: مختلف وهجومي

تقود جوجلة لانطباعات سياسيين من الخط السياسي لرئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري إلى تسجيل ارتياحهم التام إلى خطابه في الذكرى الثامنة لوالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري واحتفال “البيال” ككل.
في الشكل بدءاً، لفتتهم حماسة لأنصار “المستقبل” وكثافة تعلنان أنهم لم يأتوا “رفع عتب” ومشهدهم قدم مفاجأة من اللحظة الأولى. في المضمون، يختصر أحد السياسين آراء زملائه عندما يقول إنه لم يكن يتوقع من الرئيس الحريري موقفه الهجومي من “حزب الله”، فهذه المرة الأولى يصف سلاحه بأنه “أم المشاكل” ويرفع مسألة الصراع السني – الشيعي من مرتبة الخلاف مع الحزب إلى مكان أوسع وإلى مستوى الأزمة التي يتوجب على المسلمين جميعاً العمل لحلها. لم يمدّ يداً ولم يتوسل حواراً أو محاولة إقناع. العام الماضي مدّ الرجل يديه إلى “حزب الله” فسخروا منه وقابلوه بالسلبية، أما هذه السنة فأصبح الحزب المذكور من الماضي ولم يعد قابلاً للحوار في ذهن الحريري.
يلفت سياسي آخر إلى أن رئيس “المستقبل” حدّد مشكلة لبنان الرئيسية بوضوح. إنها السلاح غير الشرعي ولا فرق سواء حمل الصفة “الجهادية” أو “الأصولية” أو الخوف والدفاع عن النفس من احتمالات حرب داخلية. وهو سلاح موجود في كل منطقة لبنانية تحت مسمى “سرايا المقاومة” إن لم يكن للحزب نفسه.
وحدد مع الداء الدواء أي طريقة المواجهة : الإتحاد ضد هذا السلاح بالموقف وأخذه إلى ملعب الدولة وبشروطها. فوجّه الى المعنيين رسالة مضادة لموقف اليائسين أو المتعبين من صراع بدا لهم غير مجدٍ، والذين راجت بينهم عن وعي أو عدم قصد معادلة تبدو في الظاهر ممكنة أو أقل كلفة، تقول بترك السلاح مع الحزب المسلح وسراياه ما دام غير مرئي ولا يشعر به مباشرة أبناء مناطق معينة، على أن تتدبر كل منطقة أو طائفة نفسها بما تيسر. فهذه أسهل وصفة ليصبح مشروع إقامة الدولة حلماً مستحيلاً.
السياسيون القارئون في خطاب الحريري لفتهم بشدة إعلانه الذهاب بعيداً من الطوائف والمذاهب في لحظة انغلاقها على أنفسها ورفع راية الهواجس وكثير منها تاريخي، قال أنا تحت علم لبنان الكبير فتعالوا إذا أردتم فنكون معاً وإلا فأنا مستمر وحدي.
وأكثر. رفع في الخطاب المختلف، النية والصوت والإلتزام لتحديث الدولة تحت لافتة “الدولة المدنية”، دولة بديلة من فيديرالية الطوائف الفاشلة والقائمة حالياً أو التي دعا أفرقاء إلى تكريسها في شكل علني مغاير. قال “ليس هذا مشروعنا” راسماً هوية “تيار المستقبل” تياراً مدنياً منفتحاً لبنانياً يتمسك بالسيادة والإستقلال والحريات، وراسماً خريطة طريق نحو دولة حديثة تمر بعلامات الحداثة: حقوق المرأة، الإنتخاب للشباب، الجنسية للمغتربين، الحياد، اللامركزية… ماذا بقي للمعترضين كي يعترضوا؟
نقطة أخرى جوهرية أوردها الحريري: نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيسقط عاجلاً أو آجلاً فلا تُخطئوا الحساب. ليس من أساس لكل ما يتردد من سيناريوات وتخيلات تتعلق بمخططات أميركية أو غربية لإبقائه أو إقامة دويلة علوية في سوريا وتقسيم البقية. وكان ضرورياً أن يطمئن من تلفحهم أمواج التشكيك اليومي إلى أن لا داعي للخشية : لن نستقوي بعد انتصار الثورة في سوريا.

السابق
هكذا احتفلت هيفا بعيد الحبّ
التالي
الشباب في مصر يرفضون الخضوع للنظام