الانتخاب بين الحق والواجب: النسبية تبقى لها الارجحية

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية وفي ظل ردود الفعل المتباينة حول المشاركة في الانتخابات من عدمها فإن التساؤل يطال الطبيعة القانونية للتصويت في الانتخابات وفي ما إذا كان الانتخاب حق شخصي للبنانيين، لهم الخيار في ممارسته من عدمه أم أنه واجب عليهم بموجب أحكام الدستور.
فبين منتخب ومعتكف وبين طبيعة ما يراه كل شخص في الانتخاب من كونه حقاً شخصيأ يمكنه التنازل عنه، أم واجباً وطنياً لا يجوز له الامتناع عن أدائه، وحول مدى تقبّله لنظام التمثيل النسبي تضاربت الآراء واختلفت فكان ذلك خلاصة جولتنا في هذا التحقيق:
يقول أحمد وهبي(شاعر ومدرس لغة عربية): المركب الطائفي للدولة اللبنانية أسهم ولا زال في استحداث قوانين انتخابية هي بطبيعتها مخالفه للدستور قاطبة ولا سيما قانون الستين. وباعتبار أن الانتخاب هو حق وواجب وطني يجب ممارسته إلا أن الاعتكاف لدى البعض هو محصّلة يأس نتيجة تجديد الزعامات المنتخبة والمسؤولة في آنٍ، كون البرلمان هو المشرع للقوانين، والنواب هم مسؤولون عمّا آلت إليه الأمور من تراكم سلبي ابتداءً منذ إعلان الاستقلال لعام 1943 وحتى حينه وما يجري الآن من حوارات متقطعة ومفتعلة حول قوانين أشبه ما تكون ببؤر الفساد.
ويقول وسام حمادة(فنان ملتزم وطبيب أسنان): أنا من اشد المعترضين على قانون الفتنة والحروب الاهلية الذي كرس البغض والتفرقة المذهبية والطائفية وكرس الخوف من الآخر، ليستفيذ هذا الزعيم أو ذاك وأعني النظام الأنتخابي الستيني السيئ الذكر او ما ييسمى القانون الارثوذكسي. وأنا أدعو لأنتخابات نزيهة على اساس النسبية ولبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي. وإنشاء مجلس شيوخ اي تنفيذ ما جاء في اتفاقية الطائف للخروج بالبلد من ازمة الثقة والدخول في اللعبة الديمقراطية التي تمثل اكبر شريحة من اللبنانين. وأنا شخصياً لا أجد لصوتي في الانتخابات المعلبة سلفاً أي تأثير، لذلك أنا لا أنتخب إلا إذا كان هناك خطر على تمثيل المقاومة، لاكتساب الشرعية أمام المجتمع الدولي والمحلي مع كل الملاحظات على الأداء السياسي لممثليها عندها فقط أدلي بصوتي.
وأما أليسار سليم(سيدة مجتمع) فتقول: على الرغم من الوضع الذي يعيشه البلد والذي يفرض علينا الاعتكاف والمقاطعة وتغيير أنظمتنا، أضع نفسي في موقع المنتخب وليس المعتكف، لأنه في الواقع اللبناني الطائفي يصعب الحصول على إجماعٍ على الاعتكاف، لذلك يعتبر الانتخاب في أيامنا هذه واجب وطني على الجميع تأديته من منطلق أنّ كلنا راعٍ وكلنا مسؤولٌ عن رعيته. فكل شخص مسؤول عن قراراته وما سيؤدي إليه اتخاذها. وأفضل انتخاب لحفظ حقوق الإنسان في مجتمعه هو ذاك الذي يتم على أساس نظام التمثيل النسبي، حيث يعطي الفرص للأقليات ولا يرجح كفة الأقوى كماً بحيث يكون لجميع الجهات والأحزاب السياسية حظاً في المشاركة في المجلس النيابي وبالتالي يكون لها رأياً مسموعاً، عكس ما نحن عليه من نظام يجعلنا ندور في الدائرة ذاتها، أمامنا صورة الرجل الواحد في المكان الواحد، ما يفرض الهيمنة الطائفية والفكر المستبد على مجتمعنا الضحية.
ورأى إبراهيم برّو(خرّيج علوم إدارية في بروكسل): أن الانتخاب حق وليس واجب، إلاّ أن الانتخاب عن طريق وضع ورقة بيضاء لا تحمل اي اسم أفضل من الامتناع في حال عدم الرضا عن المرشحين وبرامجهم، ويعني ذلك عدم اختياري لأي مرشح رغم تأديتي لعملية الانتخاب، أي ممارسة حقي حتى لا تصادره تشكيلة اللوائح المطروحة. وأرى في نظام التمثيل النسبي أفضل طريقة للانتخاب قياساً مع نظام الأكثرية بحيث تعطي النسبية في الانتخابات مساحة للرأي الآخر. وأنا شخصياً لا أؤمن بما يسمى واجباً وطنياً لأنه قد يتعارض أحياناً مع الواجب الديني.

ويعلن أحمد العلي(أستاذ جامعي لمادة الرياضيات) أنه انطلاقاً من أنني شاركت في الانتخابات مراراً كرئيس مركز، أو كاتب في دوائر مختلفة في كافة المحافظات كنت أطرح السؤال دائماً على العديد من المنتخِبين، إذا كانوا يعرفون من ينتخبون أم سبق لهم أن سمعوا بإسمه، وكانت الإجابة دائماً بالنفي وأنهم ينتخبون اللائحة هذه أم تلك، بناءً على طلب من فلان أو إرضاءً لفلان، لذا أجد الكثير من الشوائب والتساؤلات وبخاصةً حول قانون الستين. أين هو الوعي الاجتماعي هنا، ونحن أمام نواب اكتسبوا المقاعد نتيجة صداقاتهم ومحسوبياتهم. فمثلاً قضاء مرجعيون- حاصبيا، هناك نائب سني ونائب درزي وآخر روم أرثوذكس، فمن ينتخبهم في المنطقة هم أقلية وفوزهم كان بأصوات الأغلبية من طوائف أخرى لذا فهم لا يقومون بأي إنماءات لأهالي الطائفة أو المنطقة التي ينتمون إليها، وهذا نتيجة الطائفية المنتشرة والتي هي الدمل الخبيث الذي ينثر سمه بين المواطنين ليتحول تعدد الطوائف من نعمة إلى نقمة على الشعب اللبناني.
لذا أنا أنتخب من منطلق حقي الشخصي في الانتخاب بحيث لا أتنازل عنه أبداً، على أساس البرنامج الانتخابي للمرشح لا على أساس انتمائه الطائفي أو السياسي. أما فيما يتعلّق بقانون النسبية فهو جيد لأنه يمثل أكبر عدد ممكن في المراكز التي فيها اختلاط طائفي إلا أنه فيه من السلبية بعض الإجحاف لبعض الطوائف على حساب غيرها. ورغم قبولي به إلاّ أني أتمنى أن تجتمع النقاط المتفق عليها بين جميع الطوائف لتصاغ قانوناً انتخابياً في لبنان كدائرة واحدة.
ويوضح المحامي إبراهيم عواضه(رئيس مركز حمورابي للدراسات القانونية) أن ما بين الحق والواجب يقف المواطن حائراً بين خيارين، خيار ما يكون حق له وما هو واجب عليه. وبالتالي أمام الواجب قد يضيع الحق بين أزمة مجلس النواب وتوافق التيارات السياسية، فأي واجب يختاره المواطن، وأي حق يطالب به.
فلو أنه حقاً يطالب بحقه، لكان من باب أولى أن تتم محاسبة النواب على البرامج الانتخابية التي على أساسها وصلوا إلى الندوة البرلمانية، مع العلم أن هناك فرقاً بيننا وبين الناخبين في فرنسا مثلاً فهناك يتم اختيار النواب على أساس البرامج بينما نحن ننتخب على أساس الواجب خشيةً من إضاعة الحق.
هناك يتم محاسبة النواب على الخلل بعدم التزامهم ببرامجهم الانتخابية هنا يتم محاسبتهم طوال مدة وصولهم إلى الندوة ويطلب منهم تأدية واجبهم يوم الانتخاب فأي واجب لأي حق.
وأخيراً انا مع قانون انتخابي عصري تلغى فيه الطائفية السياسية وينتخب النواب وفقاً للنسبية على مستوى الوطن والذي على أساسه يتم تعديل الدستور لجهة انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بعد إلغاء الطائفية من كافة المواقع بما فيها المواقع السيادية.
وأحمد بلّوق(مختار مدينة بعلبك) يشير إلى أن المواطن عليه أن يثبت حقه القانوني بالانتخاب، إذ يشعر بذلك أنه يمارس مواطنيته عبر الإدلاء بصوته، وأن يكون صوته مؤثراً أيضاً بشكل طبيعي، أما الاعتكاف فهو أمر غير مقبول اجتماعياً بحيث يهمش الشخص نفسه عن اعتباره كائناً حيّاً يمتلك حقوقاً عليه ممارستها، فمن ناحيتي ورغم قسوة تعبيري أعتبره من الجماد الذي لا قيمة له في المجتمع، بل على العكس فالانتخاب هو حق قانوني لكل مواطن يعبّر فيه عن رأيه في اختيار من يمثله سواء أكان صالحاً أم طالحاً. وطبعاً أنا من مؤيدي النظام النسبي، لما يمنحنا إياه من حرية أكبر في اختيار المرشحين، ما ينم عن كونه النظام الأكثر تطوراً وحضارةً قياساً بنظام الستين أوغيره من الأنظمة البسيطة التي فصّلت على مقاسات بعض الأشخاص.
وأكرم كريّم(تاجر) يقول: أنا أنتخب فقط عندما أرى المرشح أهلاً لذلك، لذا أرى الإنتخاب حق شخصي يمكنني ممارسته وقتما أشاء، والاعتكاف عنه حينما تكون ممارسة هذا الحق ستحملني مسؤولية وطنية وشرعية إن لم أنتخب من هو كفؤ؛
وأحلام قبيسي(مديرة مكتب سياحة وسفر) تقول: إذا كان لبعض الأطراف مواقف خاصة من قانون الإنتخاب الذي أقر أخيراً ، لأنه قد لا يلتقي مع مصالحها وطموحاتها التي قد ينظر إليها بأنها طموحات مشروعة، إلا أنني أرى بأن مقاطعة شريحة سياسية وشعبية وفكرية مهمة لا يلتقي لا مع مصلحة الوطن ولا مع طموح المواطن في الإصلاح والتغيير. وبالتالي فإنني أرى بأن رغبة اللبنانيين في بناء هذا الوطن، كما هو شأنهم دائماً، ومن أجل تطور الحياة الديمقراطية وإصلاحها وتجذرها، يستوجب عليهم المشاركة في الإنتخابات النيابية القادمة. علماً أنه لا يوجد قانون إنتخابي يحظى بإجماع كافة شرائح المجتمع، وإنما هناك قوانين إنتخاب تحظى بالاغلبية.

أما وقد أصبح قانون الإنتخاب حقيقة لا لبس فيها، فإني أرى بأن تمترس أي كان خلف توجهاته الفكرية السياسية، يمثل نكسة للديمقراطية في هذا الوطن. وإني أرى، كغيري، أن المطلوب من الشعب اللبناني ممارسة هذا الإستحقاق الدستوري، الذي يعني دفع الخيرة من أبناء هذا الوطن إلى البرلمان اللبناني، ليمارسوا حقهم في التشريع ووضع القوانين لحاضر ومستقبل الأجيال اللبنانية. وذلك بحيث يتوجب على كل مرشح أن يطرح علناً برنامجه الانتخابي، وأن تتم محاسبته إذا لم ينفذه أو جزءاً منه خلال مدة معينه يتم التعاقد عليها مسبقاً، وفي هذه الحالة فقط أضع نفسي في عداد المنتخبين.
  

السابق
السنيورة: متمسكون بالميثاق الوطني ولن نقبل بقبضة الوصاية والسلاح
التالي
الحجز على أملاك ميقاتي في سوريا وإصدار مذكرة اعتقال بحقه