بصليا قرية بلا صخب تنبض عنبا وزيتا وحنينا

حين تعانق أشعة الشمس أفق البحر، من تلة تعلوه ب سبع مئة وخمسين مترا، وبين أحراج السنديان والصنوبر الممتدة على طول الدرب إلى بصليا، تستجمع هذه القرية المسيحية ما تبقى من أهلها، باحثين عن خيوط الدفء على شرفاتها المنسية شتاء، بعد أن كللها الثلج هذا العام وكان لها نصيبا من عودة أبنائها المهجّرين.
قرية نائية تمتد إليها الطريق من صيدا، صعودا بإتجاه بلدات إقليم التفاح، حيث تتوزع القرى بين تابعة لقضاء جزين وتابعة لقضاء النبطية. وبين القرى الشيعية الكبيرة، تنتشر بعض البلدات المسيحية النائية، ومنها بصليا، والتي لا يعرفها الكثيرون من أبنائها وأبناء الوطن. هذه القرية الصغيرة تنعزل عن صخب الحياة في المدن، صيدا وبيروت، وتعيش بكبار السن فيها حياة ريفية بإمتياز، الشباب تركوها بحثا عن عمل والطلاب غادروها إلاّ طالب واحد لا زال مصرّا على متابعة مسيرته من قريته صعودا إلى مدرسته في جزين.
هكذا حال أهل، يعيشون ببساطة العيش، يزرعون البصل، ويبيعونه لأهالي القرى المجاورة، ويهتمون بالزيتون، ويبيعون زيته، وفي فصل الصيف يهتمون بشجيرات العنب، وخريفا يزرعون بعض الخضار التي تزين حواكيرهم المتواضعة.

عائلات ثلاث
أبناء هذه البلدة يقارب عددهم الخمسمئة نسمة، توزع معظمهم في بلاد الإغتراب، بين أمريكا وأوروبا وأستراليا، حاليا يقيم فيها ما يقارب العشرين شخصا معظمهم من كبار السن، يؤيدون بمعظمهم التيار الوطني الحرّ، فالوضع السياسي الذي مرت به منطقتهم، كان كفيلا بأن لا يعود أبناؤها إليها.
لا تطول لائحة العائلات فيها، ولا منافسة ولا مرجعيات كبيرة، ثلاث عائلات تنحدر منها سلالات البلدة، روحانا، نمر، مبارك. ثلاث عائلات بقيت بيوتاتها المهجورة عابقة برائحة الأعشاب البرية التي تمتد أمام درجاتها وطرقاتها الجبلية، وبين أشجار الصبار البريّ وأنواع من الشجيرات التي تعاند قساوة المناخ.
يتذكر طنوس نمر كيف كانوا يسلكون الطريق الترابية إلى بلدتهم، " منذ ثلاثين سنة لم يكن هناك طريق معبّدة، كنا نشتري حاجياتنا من صيدا، أو من القرى المجاورة، وكنا نتوقف عند بيت أبو علي غندور أول بلدة كفرملكي، حيث نقضي ليلة وحين ينبلج الصبح نكمل طريقنا بعد ان يوفر لنا دوابا، تساعدنا في إكمال مسيرتنا الشاقة صعودا إلى أعلى الجبل".
يتذكر:" في سنة 1970 شق المشروع الأخضر الطريق إلى بلدتنا ولاحقا منها إلى جزين"، مؤكدا انه في تلك السنوات كانت زراعة التبغ هي الزراعة الأولى والأساسية والتي إنقرضت منها بشكل كامل.
تتذكر زوجته "سيدة" تلك الحقبة، تحكي معاناتهم مع الفلسطنيين، ومع جيش لبنان الجنوبي الذي كان يقبع في اعلى تلة في البلدة، وتؤكد أنهم إضافة إلى الحرب الاهلية ساهموا في إفراغ البلدة من اهلها بشكل كامل، حيث بدأ في العام 2000 بعد تحرير الجنوب يتوافد بعض من أبنائها إليها.
لا يوجد في بصليا بلدية، وهي تابعة لقضاء جزين، لا تهتم للخدمات الإنمائية والشعارات الإنتخابية، دكان صغير يؤمن بعض حاجاتها وواقع الكهرباء فيها مزرٍ كما البلدات المجاورة، لكن أهل البلدة وضعوا بديلاً من ذلك مولدات كهربائية يستخدمونها عند الحاجة، وصوبية الحطب شتاء هي الحل الأول قبل المازوت،" تقول تيريز مبارك" التي تجمع بعض أغصان القندول والوزّال من الأحراج المجاورة لتستعملها شتاء كحطب لموقدتها.
بصليا قرية يلفحك فيها نسيم الجبل البارد، ويريح ناظريك بحر ممتد امامها كفضاء مفتوح لا متناه من الزرقة الصافية، ومشهد الغروب شاعري لكل من أراد ان ينس كل ما دون تلك القرية من مشاغل وإهتمامات.
  

السابق
رجل دين سعودي يدعو الى تغطية وجه الطفلة منذ عام السنتين لئلا تثير الشهوة
التالي
حرب يهدد ماضي.. والاخير سيرد قانونيا وحضاريا