أميركا لن تعطي عدوَّها انتصارات!

في موضوع الجمهورية الاسلامية الايرانية واميركا وتأثير ذلك في الازمة – الحرب السورية يقول المتابعون انفسهم لأوضاع سوريا وللمواقف الدولية منها ان المعلومات المتداولة عنها فيها الكثير من التناقض، فضلاً عن ان بعضها ينبع من تمنيات. فهناك من يؤكد ان الصفقة بين طهران وواشنطن حول القضايا الخلافية بينهما صارت شبه مكتملة وان الاجتماعات بينهما مستمرة فضلاً عن التشاور عبر الوسطاء. وهناك قسم آخر منها يؤكد ان روسيا نجحت في اقناع الاميركيين والايرانيين بتفاهم يقضي بتجميد ايران مشروعها النووي في مقابل قبول اميركا تسوية للازمة – الحرب في سوريا تشمل رئيسها وبعضاً من نظامه. ويشير الى ان ذلك لا بد ان يلاحظه العالم بعد قمة روسية – اميركية مرتقبة خلال اسابيع. ومن شأن صفقة كهذه اطلاق حوار جدي بين طرفيها يتناول خلافاتهما وطرق حلها.

طبعاً شدد المتابعون أنفسهم في "الموقف" يوم السبت الماضي على عدم جدية المعلومات المذكورة اعلاه. وهم يشددون مرة ثانية اليوم على ان كل ما بين اميركا وايران حتى الآن، ليس اكثر من تفاهمات محدودة قد تسهل التوصل الى اتفاق لاحقاً. منها مثلاً عدم تجاوز أي منهما الخطوط الحمر للأخرى في العراق. وهذا ليس تفاهماً استراتيجياً او دائماً. اما "اخبار" تجميد المشروع النووي الايراني في مقابل تسوية لسوريا تشمل الاسد فلا يصدقها المتابعون اياهم. فأميركا لا تثق بايران كي تُصدّق انها ستجمد فعلاً هذا المشروع الى ان تنجز اتفاقاً معها حوله او الى ان يتعذر اتفاق كهذا. وايران لا تثق باميركا، وتعتبرها منذ نشوء النظام الاسلامي فيها عدواً لها وللمسلمين والمستضعفين في كل العالم، وتتمسك بدورها دولة اقليمية (وربما دولية) عظمى يحق لها ممارسة دور اساسي ومهم في الشرق الأوسط كما في مناطق اخرى من العالم.

ويُلخِّص هؤلاء انعدام الثقة بين الدولتين بالقول ان ايران تخشى دائماً ان تتشدد اميركا بعد بدء الحوار معها بحيث تطرح شروطاً جديدة صعبة التنفيذ الأمر الذي يؤذيها اذا استمرت فيه أو اذا انسحبت منه، وذلك جراء ميل المجتمع الدولي بغالبيته الى الموقف الاميركي منها. ويُلخِّصونه ايضاً بقول مماثل عن ايران وعن صعوبة التفاوض معها وعن اصناف الشروط والمطالب التي ستحملها الى اي حوار، الأمر الذي يلغي وجود اي سقف أو أي قعر لمطالبها. علماً ان المتابعين يعرفون وطبعاً الدول المعنية كلها ان ايران لا تزال متمسكة بمشروعها الاقليمي وبتشعباته التي قد تمتد الى مناطق عدة من العالم الاسلامي وجواره غير الاسلامي، وانها لا تزال تدافع عنه حيث هو مهدد جدياً اي في المنطقة التي هي بمثابة القلب له، وتحديداً في سوريا واستطراداً لبنان "حزب الله". وهذا يعني انها ستحاول منع سقوطه او انهياره بكل امكاناتها، واذا عجزت عن ذلك فإنها ستفعل المستحيل لجعل سقوطه جزئياً اي لابقائه قائماً في "مربع فئوي" له اتصال مع البحر أي مع روسيا ومع البر العراقي والايراني. لا بل انها بدأت التحضير فعلاً لهذا الاحتمال على الارض، علماً انه قد يستغرق وقتا طويلاً يُقاس ربما بسنوات. ذلك انها لا تحب التّعرض لمفاجآت غير سارة. وهذا موقف لا يؤشر على الاطلاق الى رغبة في تسوية مع اميركا تؤمن مصالح الجميع، بل الى استمرار ايران في السعي الى تسوية مع اميركا تكرس"انتصارها" في المنطقة وإن على نحو غير مباشر.

وهذا أمر ترفضه اميركا وتتحسب له، وخصوصاً بعد اعتبار كثيرين فيها انها تعرضت لخديعة ايرانية نفذها عراقيون ظن مسؤولون في واشنطن انهم لها، وان هدفهم إنقاذ بلادهم من نظام صدام حسين وبناء دولة مدنية. وجوهر الخديعة كان ان ايران ارادت التخلص من صدام وقوة العراق من دون ان تدفع مقابلاً لاميركا وذلك بإيهامها انها تقوم بذلك بقرار ذاتي منها سيفيدها اولاً، وهي تقرر لاحقاً هوية المستفيدين الآخرين. الى ذلك كله يدعو المتابعون انفسهم كل المتعلقين بحبال التسوية التي تشمل نظام سوريا أو رئيسها الى قراءة الشهادة الخطية لوزير الخارجية الاميركية المعين جون كيري التي ارسلها الى الكونغرس أخيراً قبل جلسة الاستماع اليه تهميداً لتثبيت تعيينه او لرفضه. اذ انها تضمنت تكرار رفض بقائه ونظامه.

واذا كانت أميركا مرتبكة اليوم بسبب خوف من تنامي التكفيريين في اوساط الثوار، فان ذلك لن يدفعها الى مساومة تحقق انتصارات مجّانية بلا مقابل لخصمها الروسي ولـ"عدوّها" الايراني. علماً ان ذلك لا يعني ان الآخرين اي ايران وروسيا غير مرتبكتين.

السابق
تضرب عن الطعام طلباً للزواج
التالي
الأسد هو إيران ولكن!