إيران تستعين بـ «الربيع الشيعي» لإطلاق رهائنها

في موازاة الدعم الإيراني اللامحدود للنظام السوري، أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، أجرت دوائر إيرانية جس نبض لإمكانية حوار مع المعارضة السورية، خصوصاً مع "الإخوان المسلمين"، الذين تفاوضوا معهم لفترة ما لبثت بعدها أن انقطعت الخيوط، بعدما تبين أن السياسية الإيرانية الداعمة للنظام، لن تتوقف عند حدود وصول هذا النظام إلى قطع كل الجسور، لأنّ المال الايراني والسلاح شكلا رافد الدعم الذي مكنه من الاستمرار في سياسته القمعية التي تتوهم تحقيق الانتصار.

وللمفارقة فإن سياسة فتح الأبواب المغلقة التي بادرت إيران إلى اعتمادها، لم تقتصر على المعارضة السورية، بل تمثلت بإيفاد مسؤولين إيرانيين من أعلى هرم القيادة، للتكلم مع شخصيات شيعية عارضت منذ البداية، دعم ايران وحزب الله للنظام السوري.

ففي وقت كانت آلة حزب الله الإعلامية تشنّ أقسى الحملات على بعض هذه الشخصيات المعمّمة منها والمدنية، كالسيدين هاني فحص ومحمد حسن الامين، وبقية الشخصيات التي تعرضت للتخوين بغطاء الـ"ويكيليكس"، أرسلت الى بعض هؤلاء من يسأل عن إمكانية المساعدة في مد جسور التواصل، مع المعارضة السورية، بكل فصائلها، "الإخوان" منهم، وغير الإخوان.

قبل الهجوم على فحص والأمين تحديداً في وسائل إعلام قريبة من حزب الله، كان فحص يستقبل في منزله مسؤولاً إيرانياً رفيعاً، يطلب المساعدة في التواصل مع المعارضة السورية، ويسأل عن نصح للتعامل مع الملف السوري، كل ذلك في وقت كانت إيران وحزب الله ينغمسان حتى التورط العسكري في دعم النظام، ولكن من دون أن يؤدي هذا التورط إلى تقديم إجابات شافية حول سبل حسم المعركة لمصلحة هذا النظام.

كان الامر، وربما لا يزال، أشبه بوجود سياستين ومسارات متعددة، وكل ذلك خوفاً من فقدان كل الاوراق التي استثمرتها إيران في سوريا، إذا لم يستطع النظام السوري النفاد من أزمته، التي أضيفت اليها أزمة اختطاف الإيرانيين على يد "الجيش السوري الحر".

بعد الاختطاف تجدد الاتصال الإيراني بفحص، عبر شخصية عربية، بعدما هدّد المختطفون بقتل المحتجزين الإيرانيين خلال 48 ساعة، وذلك للمساعدة على الاتصال بالمجلس الوطني السوري، لبدء التفاوض مع الجهة الخاطفة التي اعتبرت أن هؤلاء الإيرانيين ليسوا حجاجاً، بل إنهم عسكريون ينتمون الى "الحرس الثوري الإيراني".

وانطلقت عملية التفاوض بسرية تامة وبعيداً عن التداول الإعلامي، من خلال زيارات سرية لموفدين إلى تركيا للقاء مسؤولين في المجلس الوطني السوري، بعلم الدولة التركية ومباركتها، واستمرّت هذه المفاوضات حتى ترتيب صفقة الإفراج عن الرهائن. وقد فاوض الإيرانيون، بالنيابة عن النظام السوري، حيث تعهدوا بالإفراج عن معتقلين سوريين لدى النظام، فيما تعهد المجلس الوطني من خلال تواصله مع الفصيل الخاطف بإبقاء المفاوضات سرية.

تكمن المفارقة في توسيط إيران أحد أبرز رموز التيار الشيعي الداعم لـ "الربيع العربي" السيد هاني فحص، تزامن مع هجوم حزب الله عليه، بالواسطة دائماً، وبالمباشر أحياناً. هذا الهجوم الذي لم يراع لا الأصول ولا الأعراف، ولا حسابات المستقبل، بالنسبة الى طائفة يضعها من يسيرون بها تهوراً، في مواجهة قاسية، مع موجة عاتية.

لم تكن إيران منذ بداية الربيع العربي تعتقد أن النظام السوري سيصاب بأعراض التغيير، ولو عرفت لربما كانت تجنبت إعطاء الربيع صفة الصحوة الإسلامية، أو لربما كانت امتنعت عن التورط في نزاع لن ينتهي لمصلحة النظام الحليف، أو لربما كانت استمعت منذ البداية، إلى رأي من رأوا في إلباس الطائفة الشيعية رداء التبعية لنظام الرئيس بشار الأسد، خطراً جسيماً، ورهاناً خاطئاً، واستثماراً في اتجاه يخالف مسار التاريخ.

السابق
بلدية صيدا نوهت بالجهود المبذولة لمواجهة تداعيات العاصفة
التالي
حملة جورج عبد الله هنأت بالإفراج عنه واحتفلت في الصنائع