لهيب الحريق السوري يلفح لبنان بالإرهاب

من الخطأ التعاطي مع القرار الاميركي القاضي بإدراج جبهة النصرة من ضمن لائحة المنظمات الارهابية وكأنه حدث عادي ومن يوميات الازمة السورية. ذلك ان هذا القرار كان قد خضع لنقاش داخلي مطوّل احاط بالازمة السورية من جوانبها المختلفة، وبتأثيره في مسارها المستقبلي.

ففي الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك في اوروبا نقاش مستفيض حول ما آلت اليه التطورات العسكرية في سوريا واحتمالات المستقبل ومن خلالها كيفية حماية المصالح الغربية في سوريا وفي المنطقة.

واذا كانت واشنطن والعواصم الاوروبية متفقة بأن لا عودة الى الوراء في سوريا، او بمعنى اوضح انتهاء مرحلة "سوريا العظمى" في الشرق الاوسط الى الابد، ومعها طيّ الصفحة حول صيغة الحكم التي كانت قائمة، الّا انّ اوجه الخلاف والتباين تتمحور حول الصيغة الجديدة التي ستتولى الاشراف على البلد، ولو خلال الفترة الانتقالية والتي قد تأخذ سنوات عديدة.

وينطلق هذا النقاش من ثوابت عدة ظهرت مع تطوّر القتال في سوريا واهمها:

1 – استحالة ازاحة النظام السوري عسكرياً بعدما ثبتت قدرته على الامساك بالورقة العسكرية من خلال تماسك البنية الاساسية للجيش، لا بل ان مراكز الدراسات الاميركية تورد ما مفاده ان القيادة العسكرية ما تزال تبقي على "قوة النخبة" بعيداً عن جحيم المعارك، وهي تعزو ذلك للإبقاء على القوة المطلوبة في حال تدهور الوضع في العاصمة.

وعلى نقيض الاخبار الجاري تداولها في وسائل الاعلام، فإن مراكز الدراسات هذه تتحدث عن سقوط حمص بيد النظام في مقابل استمرار المعارك في حلب والتي يبدو انها ستبقى منقسمة ما بين جزء في يد المعارضة وجزء آخر تحت سيطرة الجيش النظامي.

2 – استحالة التفكير بخيار االتدخل العسكري الخارجي ان على صعيد الحلف الاطلسي بسبب الازمات الاقتصادية المتلاحقة ورفض المجتمعات الاوروبية والاميركية لذلك، أو حتى على صعيد دول الجوار في ظل التفسخ الذي اصاب تركيا والنار التي تهدد الاردن والاضطرابات التي تعمّ لبنان.

3 – عدم جدوى الرهان على الازمة الاقتصادية في سوريا كعامل حاسم لقلب الاوضاع، لا سيما في ظل الدعم الايراني اللّامحدود على هذا الصعيد والمساندة الروسية ايضاً.

4 – انتشار التنظيمات الارهابية في سوريا وامساكها بجزء لا بأس به من الارض خصوصاً في ريف دمشق، حيث لجبهة النصرة حضور قوي سيصعب لاحقاً إعادة ضبطه وحيث ان تجربة افغانستان ما تزال ماثلة في الاذهان.

ولان التجارب السابقة في المنطقة اظهرت قدرة التنظيمات المتطرّفة على السيطرة على الشارع لاحقاً بسبب عقيدتها الدينية التي تحرك عناصرها، عمدت واشنطن الى ادراج هذا التنظيم من ضمن لائحة التنظيمات الارهابية في محاولة لوضع فاصل بينه وبين التنظيمات المعارضة الاخرى ومنعها من الذوبان فيه.

ومن هذا المنطلق ايضاً اعلنت باريس تمهّلها ازاء قرار فتح ابواب التسليح امام المعارضة السورية (والمقصود هنا بالطبع السلاح النوعي)، ما يعني وجوب الانتظار بعض الوقت لمراقبة مسار الامور على ارض الواقع.

فلدى واشنطن والعواصم الاوروبية ما يضاعف من قلقها ازاء "زواريب" الازمة السورية. فمن باريس سافر العديد من "الجهاديين" لنصرة ابناء جلدهم في سوريا والعديد من حاملي الجنسية الفرنسية قُتلوا في معارك وحتى في عمليات انتحارية.

والسؤال المطروح بإلحاح في اروقة القرار الفرنسي: ماذا سيفعل هؤلاء عندما ستنتهي الازمة في سوريا؟ وكيف سيتصرف الفرنسيون – العرب بعد عودتهم الى فرنسا؟ وهل ستتكرر واقعة الافغان – العرب بعد انتهاء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان؟

ولدى الديبلوماسية الاميركية قلق لا بل أرق لهذه الناحية. خصوصاً وان مراقبتها المستمرة "للبوابة" اللبنانية جعلها تضع الكثير من علامات الاستفهام. فهنالك عناصر ينتمون لتنظيم القاعدة يعبرون من لبنان الى سوريا. وحيث جرى منذ مدة غير بعيدة اعتقال اشخاص من الجنسية الماليزية ينتمون الى منظمة ارهابية وذلك على الاراضي اللبنانية.

لا بل اكثر فإن السلطات الاوروبية اكتشفت حالات تزوير لجوازات سفر اوروبية ولسمات دخول بالمئات، حيث جرى استعمال الساحة اللبنانية كممر آمن لهؤلاء.

والواضح بالنسبة للغربيين ان قدرات التنظيمات الارهابية آخذة في النمو والتطوّر في البيئة السورية والتي تعتبر مثالية لهم في ظل ظروفها، وحيث تبقى الساحة اللبنانية ساحة "جذابة" لألف سبب وسبب.

في وقت وصلت للاوساط الديبلوماسية معلومات تتحدث عن استعداد "مالي" واستخباراتي خليجي جديد لاعادة تنشيط المعارضة السورية انطلاقاً من الاراضي اللبنانية، وما يخشاه الغربيون ان "الحوافز" الخليجية لا تفرّق بين المعارضة المطلوبة اي معارضة هيئة الانقاذ السورية ومعارضة التنظيمات المتشددة والارهابية.

انطلاقاً من كل ذلك عادت وجهة نظر الاجهزة الامنية في كل من اوروبا والولايات المتحدة الاميركية والداعية للدخول في تسوية لتطغى على وجهة نظر الديبلوماسيين والسياسيين، والساعية لازالة النظام بالضربات العسكرية.

لكن وحتى في حال التسوية فان النظرة متباينة ما بين اوروبا والولايات المتحدة الاميركية ذلك ان باريس ومعها عواصم اوروبية اخرى تميل الى حلّ يقضي بفكفكة النظام نهائياً ولو كلف ذلك استمرار الاسد في سدة الرئاسة لفترة انتقالية. اي بمعنى اوضح تكليف الاسد بفكفكة النظام لقاء اطالة بقائه في السلطة.

اما واشنطن فإنها تميل الى حلّ اكثر واقعية يلبي المصالح الامنية الغربية ويمنح انتصاراً اعلامياً لأعداء الاسد من الزعماء العرب وذلك على اساس رحيل الاسد مع الابقاء على تركيبة النظام الحالي ولكن ضمن صيغة سياسية وحكومية تؤدي الى توسيع المشاركة من قبل الجميع او بتعبير اوضح "طائف سوري" يبقي القرار الامني والتركيبة الموجودة ويعطي المعارضين القرار الاقتصادي والانمائي لسوريا.  

السابق
هل غيّرت واشنطن رأيها؟
التالي
قرب انهيار النظام السوري يعجّل في تشكيل حكومة انتقالية