العرقوب: النازح المحظوظ من يؤمن بعض الدفء لأطفاله

يستلقي خالد (45 عاماً) على ظهره فوق فراش إسفنجي، وسط إحدى غرف «مدرسة مرج الزهور»، التي سدت نوافذها بالبطانيات العتيقة اتقاء من رياح وصقيع الشتاء. وفد خالد وعائلته المؤلفة من تسعة أشخاص من بابا عمرو. وفّقت العائلة بمدفئة تعمل على الحطب، ركزتها في الطرف الشرقي للغرفة لتحميها من البرد، لكن المشكلة الكبرى تكمن في كيفية الحصول على الوقود. أمضى خالد أكثر من شهر يتجول في حقول البلدة وأحراجها يجمع ما تيسر من حطب يابس خَلَّفه أصحابُ بساتين الزيتون في أملاكهم، ومرات عدة كان يقطع بعض الأشجار الحرجية خلسة، وينقلها فوق ظهره إلى حرم المدرسة التي تؤويه وعائلته. إنها عملية صعبة ومضنية، أدت إلى إصابته، كما قال، بمرض الديسك الذي أقعده منذ أكثر من شهر، في ظل عدم إمكانية المعالجة. ويشرح «الظروف المادية لا تسمح، ولم تتبرع أي جهة بالعلاج. عملت قرابة الشهر في تأمين الحطب للعائلة، وها أنا طريح الفراش منذ عدة أسابيع بانتظار فرج الله».
خالد وعائلته، من النازحين السوريين «المحظوظين»، الذين تمكنوا من تأمين ولو جزء يسير من الدفء، في حين تبقى النسبة الكبيرة من النازحين، بانتظار حلّ ولو جزئي للمعضلة، التي تربك مختلف الجهات المساعدة والمانحة محليا ودوليا. «إننا اكثر من 12 عائلة نقيم في وادي أبو قمحة، لدينا 32 طفلاً لم نتمكن من تأمين مدفئة واحدة لمواجهة الصقيع». تقول النازحة من ريف دمشق حسنية البريشي: «الصقيع قمة المعاناة التي تواجهنا، الطقس بارد والمطر لا يرحم. عند المساء نشعل بعض الحطب لفترة لا تزيد على نصف ساعة، بعدها نلجأ إلى الحرامات اتقاء من البرد». «لقد أصيب طفلي الذي لا يتجاوز عمره السبعة أشهر بمغص في معدته»، تقول ليلى العربيدي من حلب، «ليس من طبيب هنا، ولا من يسأل، فكان الدواء ملعقة من الشاي لعدة أيام. إننا نسأل كيف سنمضي فصل الشتاء؟ لقد بات الحطب والمازوت يوازي الطعام والماء، فمن أين نحصل عليهما؟». تردد سوسن الحسني: «لا نملك مالاً، ولا حلالاً، ولا من يسأل ليساعدنا في الحصول على الدفء، يبقى الدعاء لله ليرحمنا ويبعد القساوة عن هذا الشتاء».
تجاوز عدد العائلات السورية النازحة إلى حاصبيا والعرقوب حدود 255، والرقم في تصاعد مستمر بشكل شبه يومي، كما يقول مسؤول الشؤون الاجتماعية في «الجمعية الإسلامية للرعاية والإنماء في العرقوب» مالك غادر. عملت الجمعية بالتنسيق والتعاون مع بعض الجهات المحلية المانحة، مثل البلديات، و«صندوق الزكاة»، و«جمعية إشراق النور الخيرية»، على تأمين مختلف الحاجيات والمستلزمات، بدءاً من المسكن والتموين حتى الطبابة والعمل. ذلك في حين تم تأمين المدافئ مع كمية قليلة من المازوت لبعض العائلات، ويبقى القسم الأكبر من النازحين خارج إطار ذلك النوع من المساعدة التي بدت معضلة كبيرة. «نتعاون مع أكثر من جهة، في محاولة تأمين ميزانية تغطي المطلوب لشراء المازوت والحطب، حيث كل عائلة نازحة بحاجة إلى ما بين 3 و5 براميل خلال الشتاء، علما أن ثمن البرميل يصل إلى 200 دولار»، وفق غادر.
غادر أشار إلى أن الجمعية تعاقدت مع العديد من المستشفيات والعيادات الطبية الخاصة، «لمعالجة مختلف الحالات المرضية للنازحين، وهناك تعاون في هذا الإطار مع الصليب الأحمر اللبناني، الذي يتولى عملية نقل المرضى إلى المستشفيات، وحتى الأمس سجلت 6 حالات ولادة لدى العائلات النازحة إلى حاصبيا والعرقوب، منها 3 حالات تطلبت جراحة قيصرية، ونعمل على إنجاز وثائق ولادة للمولودين الجدد بالتنسيق بين المستشفيات والمخاتير، وللعائلات التي تحظى بمولود اهتمام خاص من الجمعية لجهة التقديمات والمساعدات، كذلك للنازحين من المعوقين حيث لدينا حالة لافتة في شبعا، الوالد لديه إعاقة حركية، وعنده 6 اطفال، نقدم لهم كل شيء تقريباً، إضافة إلى مساعدة مادية شهرية». ويختم غادر بالقول: «يبقى الخوف من ثلج شبعا وقرى العرقوب هاجس النازحين في ظل ما تبدو معضلة تأمين المازوت. وقد فضل العديد من النازحين، ترك المنطقة باتجاه الساحل بالرغم من التطمينات التي قدمناها لهم، لكن فعلا الشتاء قارس هنا وهم التدفئة مشكلة».
نازحو حاصبيا والعرقوب، كما أشارت أم خالد تحية المغيرية، النازحة من بابا عمرو: «ما زالوا خارج سجلات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك يعني أنهم لم يتلقوا أي مساعدة تقدمها المفوضية». أم خالد شككت بعمل المفوضية، وقالت: «إن جانبا من عملها يصب في تزكية الخلافات المذهبية والطائفية»، وتوضح: «في أول زيارة لفريق من المفوضية إلى مركز تهجيرنا في إحدى قرى حاصبيا، كان السؤال عن الإسم ومن ثم المذهب. ذلك لا يجوز، فما علاقة المذهب بالمساعدات، كلنا سوريون مذهبنا وهويتنا وطائفتنا سوريا». تضيف: «رفضتُ التسجيل في المفوضية. نحن نفضل التسول على مثل هكذا مساعدات، وهذا خيار العشرات من النازحين هنا. سنموت من الجوع ولن نقبل المتاجرة بقضيتنا في هكذا منظمات دولية، تدعي المساعدة، في ظل حقد واضح على سوريا وشعبها».
ويسجل ارتفاع واضح وبشكل شبه يومي، للعائلات السورية النازحة إلى حاصبيا والعرقوب. وباتت معه عملية الاستيعاب تواجه بعض الصعوبة، حيث ضاقت المدارس ودور العبادة والمنازل بالنازحين، «فلم تعد تجد ولو غرفة واحدة فارغة»، كما يقول محمد الجرار، أحد العاملين في إغاثة هؤلاء. يضيف: مهما كانت الصعوبات سنعمل على تأمين المأوى بشكل أساسي من خلال التعاون القائم بين مختلف الجهات المانحة المحلية، وذلك ريثما توسع الجمعيات والمؤسسات الدولية عملها الذي تأخر، باتجاه نازحي المناطق الحدودية، في حين أشار إحصاء تربوي في حاصبيا والعرقوب إلى أن عدد الطلاب السوريين، ارتفع خلال شهر إلى حدود 243 تلميذاً، بينهم نحو 135 تلميذاً في «مدرسة الإيمان – الهبارية»، والباقون توزعوا على معظم المدارس الرسمية في القرى.
مدير «مدرسة الإيمان» وسيم سويد، الذي توجه إلى دوام مسائي للطلاب السوريين، أشار إلى الكلفة العالية لعملية التدريس، التي تتولى إدارة المدرسة، و«الجماعة الإسلامية»، وبعض الجهات المانحة تأمينها، حيث تكفلت «جمعية إشراق النور الخيرية»، برئاسة الشيخ محمد الزغبي، بتقديم بدل النقل للطلاب من أماكن النزوح إلى المدرسة، وخصصت مبلغ 45 ألف ليرة لكل طالب نازح ممن يتابعون دراستهم في «مدرسة الإيمان – الهبارية». كما وزعت الجمعية هدايا للتلامذة الصغار، عبارة عن ألعاب. وتكفل الشيخ زغبي بإمداد المدرسة وحسب الحاجة، بمادة المازوت لزوم التدفئة، في حين أبدى رئيس «اتحاد بلديات العرقوب» محمد صعب استعداد الاتحاد لأي مساعدة يحتاجها الطلاب السوريون والمدرسة خلال العام الدراسي.
  

السابق
صور: مركز نبيل بدران يأمل إنقاذه
التالي
الحريري اتصل بصقر: دعم الشعب السوري سيستمر