في النبطية جميعات ثقافية تناجي أطلال الشباب فهل من يسمع؟

القطار الثقافي إنطلق… ولكنه فارغا من حمولة "الشباب"، الحضور في المحافل الثقافية في النبطية يقتصر على "كبار السن"، نادرا ما تجد شباباً في هذه المحافل، فاللقاءات الحوارية مع شاعر، أو أديب أو كاتب لا تروق لأفكارهم، أفكارهم التي "عولمتها" صفحات "الفايس بوك" والنت وكل "شلة العولمة الكريمة"…في النبطية هناك حلقات ثقافية تقام داخل أنديتها وجميعاتها ومجالسها الثقافية، وهناك من تبنى هذا الإرث وحمله على "عاتقه" لكي يعيد تصويب مسار "ألقطار الثقافي" الذي أشعل الحركات التحررية في العقود الماضية، ولكن لم تفلح كل الجهود الحثيثة بتصويب مسار "ألقطار" الذي تعرض "لركلات" إنتهازية، تركته يعيش "خضات" كبيرة، تراجع معها مؤشر اللقاءات، هناك من "يُشمع" مجالسه "بالشمع الاحمر" وهناك من يواظب على إقامة اللقاءات الإسبوعية حتى لو حضرها "أحد عشر رائدا" من كبار السن.

صورة قاتمة
لقد تشظت الحركة الثقافية، "ما الفائدة من حضور الندوات الثقافية" شعار يتردد على ألسن الشباب" ما يستدعي التوقف عنده، والغوص في الأسباب التي أدت الى تفكك الحالة الثقافية أو بتعبير ادق "إنفصال الشباب عنها"، وكيف يقرأ رواد الحركة الثقافية هذه الصورة؟ ومن يتحمل وزر هذه الصورة القاتمة؟"
إن التدقيق في واقع الحال الثقافي في مدينة ترفع "منارة العلم والمعرفة" يكشف خيوط ضعفٍ في الترويج لحلقات ثقافية تعقد داخلها، مضافا إليه سوء التنسيق"، فبرأي عضو "جمعية دايز" والناشط في الحركة الثقافية في النبطية علي عميص أن "ضعف الحضور في النشاطات الثقافية بشكل عام مرده الى الكثير من الامور أولها أن أغلبية الشباب في منطقة النبطية هم يتبعون أحزاب وجمعيات ونوادي ولا يستطيعون المشاركة في أي نشاط ثقافي لأن مرؤوسيهم لا يحبذون ولا يشجعونهم على المشاركة في نشاطات ثقافية، وأيضا ضعف الحركة الإعلامية للنشاطات، ضعف عدم التواصل مع الشباب وحثهم على المشاركة التي تقتصر على كبار السن".

عناوين متضادّة
عناوين وعناوين مضادة ترفع لتبرير الهجر والغربة الثقافية، فيرى أمين سر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي كامل جابر أن "الثقافة أصبحت محدودة بأناس غيارى على الشأن الثقافي، يشار اليهم بالإصبع، بل تكاد أن تكون الوجوه ذاتها في كل الندوات والحوارات التي تعقد في النبطية، أما الشباب يعيش حال غربة عنه"..غربة الشباب في المحافل الثقافية عنوان عريض يطرح إشكالية متعدد الأبعاد يحدد جابر أسبابها بـ" التراجع الثقافي، إنحدار مستوى المطالعة، غياب الشباب عن الحركات السياسة العقائدية وإتجاهه الى السياسة الإنفعالية، غياب العمق الثقافي"…
في ساحات النبطية تكاد أن تكتظ المقاهي بالرواد الشباب، شباب يجلوسون يلاطفون "نرجيلة" ويداعبون أوراق ورق الشدّة (الكوتشينا) والكمبيوتر، لا مزاج لهم لحضور "حلقات المعرفة والثقافة، فهي بنظرهم "لا فائدة لها"، هي أزمة حقيقة بدأت تتفتح أوراقها في الأوانة الاخيرة لماذا حال الهجر؟ من المسؤول؟ هل هي نوعية النشاطات، أم الشخصيات أم غياب الإعلام عنها؟ يسأل جابر "لماذا حين يُقام نشاط في "ألنادي الحسيني" تتجمهر الناس لحضوره، وذات النشاط لو أقيم في نادٍ ثقافي "لا يجد له أنيس"؟ هذا الأمر يعيده جابر "الى غياب الوعي والتربية عند المواطن والشاب"..جابر الذي يلفت الى "أن المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يقيم سنوياً بحدود الـ26 نشاطا مختلف العناونين ويستقطب وجوهاً من العالم العربي أمثال الشاعر تميم البرغوثي، والمخرج محمد ملص وغيرها، فضلاً عن الوجوه المعروفة محليا ومناطقيا، "لم ينجح في حجز مساحة كبرى للشباب داخل قاعته إلا ما ندر" السبب برأيه "الخلل في الأوعية الفكرية عند شباب يهوى السهل الممتنع ولا يريد أن يفكر حتى بشيء"…
يسجل في المدنية التي ترفع شعار "ألمعرفة" غياب التنسيق بين أنديتها وجمعيَّاتها "رغم وجود لجنة تنسيق حاضرة بالإسم، وبالفعل هي تعيش تخبطات كبيرة" كما يؤكد جابر الذي يلفت الى "أن غياب التنسيق عامل من العوامل التي تضعف الحضور في اللقاءات، إذ غالبا ما يقام أكثر من نشاط في وقت واحد ما يدفع الجمهور الواحد الأحد، أن يقسم نفسه بينها"..الامر برأيه "يحتاج الى سبل تطوير وإلى إيجاد صيغة جديدة وإعادة تجديد الأندية أنفسها لكي تدخل الى رواق الشباب عبر أسلوبه"، لقد أدخل المجلس الثقافي الى رواقه نادي السينما حتى هذا "لم يفلح في جذب الشباب، رغم أن منطقتنا تكتظ بالشباب، المنشغل في جدل سياسي عقيم، وهذا بحد ذاته غربة كبيرة، جل ما نحتاجه اليوم هو التربية من الصغر، وهذا دور تلعبه المدرسة التي للاسف تكاد أن تكون النشاطات الثقافية شبه معدومة داخلها"…

ضريبة مضاعفة
يبدو أن الصورة الثقافية في النبطية قاتمة، لأن التربية الثقافية غائبة عن الطفل، الذي لا يعبأ بالثقافة وحب الكتاب وهذا ما تدفع الحالة الثقافية اليوم ضريبته المضاعفة، ضريبة يقرأها رئيس "جمعية وعي" السيد ياسر إبراهيم بشيئ من "السوداوية" يضع إبراهم جملة أسباب أدت الى "تقلَص الحضور الشبابي في الندوات واللقاءات" من جملتها يقول "الجمعيات مقصرة بدعوة الناس للحضور بل تقتصر الدعوات على ثلة من الناس".
ينطلق إبراهيم في مقاربته للحال العام للسياسة الثقافية في مدينة النبطية من "الحريات، فيرى أن المجتمع الذي يخوّن كل من خالف رأي السائد، لا تنجح حركة ثقافية، لانها تحتاج الى أجواء وفضاءات من الحرية، حتى تسير سيرا صحيحا، وتنجح في تثقيف من يريد ذلك"، ما يثير حفيظة إبراهيم أكثر أن ""الجمعيات الثقافية المستقلة سياسيا عن الاحزاب الحاكمة في المنطقة، تخسر نسبة حضور، أضف الى إنقراض العمل التطوعي، وإعتياد الشباب على العمل بأجر فابتعد عن العمل التطوعي في الجمعيات"، وبرأي إبراهيم "إن البرامج والعناوين التي تقوم بها تلك الجمعيات في أغلب الاحيان لا تلامس وعي الناس ومشاكلهم اليومية بل قد تكون في اطار التنظير العام وهذا لا يجذب عنصر الشباب ولا الجماهير.

أزمة ثقافة
يبدو أن غياب السياسة العامة ذات الطابع الثقافي هي أحد أبرز العوامل التي أضعفت الحضور الثقافي، وبحسب ما يشير الشاعر جميل معلم أن "غياب الترابط الفكري ألأيدولوجي العقائدي بين الجمعيات يعد مكوناً مهماً في تملص الشباب من ثقافة لم ينشأوا عليها، بل غابت في مفاهيم التربية والتعليم، حتى الكتاب لم يعد صديقا للطفل منذ صغره وهذا برأيه " هشَل" الثقافة من قصرها، الأمر الذي يقف عنده معلم مطولا ويراه " مكسر عصا، يكيلون بالثقافة بميكالين"، يقرأ معلم في مؤشر الثقافة من منظاره فيرى أن "حركة الصالونات الثقافية التي تتمثل بندوات ومحاضرات ولقاءات تجمع شخصيات بارزة لم تنجح في جذب الشباب ناحيتها، ولا حتى في خلق فضاء رائد في نهضة الثقافة، ما يضعنا أمام أزمة حقيقيّة في مجتمعنا، أزمة تفكير ومعرفة وتربية وأزمة مسؤوليّة ومبادئ"، تحوّل على أثرها " الإنسان إلى مُسْتهلك وتافه ﻻ يمتلك رؤية أو هدفًا عقائديًّا يعمل على تحقيقه، وإنّما باتت المادّة تتحكّم بسلوكنا بعيدًا من القيم والثقافة والمعرفة. ويرمي وزْر هذه الحال على "الإعلام الذي عوّد الجمهور تقديم السخافات والألعاب وفصله عن أيّ مضمون فكري وثقافي، وعلى الدّولة التي تتحمل مسؤوليّة المراقبة والتوجيه"، وبنظر معلم "الجمعيّات ﻻ تقدّم نموذجًا مُحفّزًا من الأنشطة واللقاءات الثقافيّة، لذا فالمطلوب إعداد إنسان حرّ ومفكّر، وليس إنسانًا استهلاكيًّا نفكّر عنه".
بإختصار يبدو أن إنتشال الحال الثقافية من مأزقها، لا يمكن إلا بإعادة "لبننة التربية" منذ الصغر، وإدخال مفرد أخر الى عقل الشباب "الثقافة ميدان تحرر من قيود الواقع"، والمطالعة وعدا هذا ستبقى الجميعات تعيش فلتانها المقيد، وتبقى قاعاتها تناجي اطلال شباب مرو ذات يوم من هنا، فهل من يستشعر الخطر الذي بدأ يدنو ويفتح باب سمسم الثقافي؟
  

السابق
ارسلان: لبنان لا يواجه أزمة حكم أو حكومة إنما أزمة نظام سياسي حقيقية
التالي
حداد عام في صيدا…واجراءات أمنية مشددة للجيش