قبل دقائق من الانفجار

الحياة قبل دقائق من الانفجار.
المدن والشوارع والضواحي والمخيمات.
البيوت الصغيرة التي تختفي، والعمارات الشاهقة التي ترتفع إلى السماء.
أصحاب السيارات الفخمة والبذلات الأنيقة وحسابات المصارف والسيجار وماركات الملابس والعطور.
المشردون على أرصفة الحمراء، يبيعون الورود للمشردّين في حانات الليل..
التائهون على أرصفة المدن البعيدة والمنسيّة إلا في مناسبات الحروب والانتخابات.
الفتيات اللواتي يبعن الحب والفتيان الذين يبحثون عنه في خيبات القصص والغرف الرخيصة.
الفقراء في بيروت وصيدا وصور وطرابلس وبعلبك.
المهمّشون والمنبوذون واليائسون الخائفون في المدن الصغيرة الميّتة.
المنتظرون بذل على أبواب السفارات، والممنوعون من السفر بقوّة المذاهب المسجّلة على دفاتر القيد.
الهاربون من المدن القريبة والعائدون بخيبات المدن البعيدة.
عمال البناء المحرومون من السكن وبائعو الخضار المستورد ومزارعو القرى المهجورة المتروكة.
الذين يموتون في المستشفيات، والذين يموتون على أبوابها.
الهواء الملوث والبحر الملوث والماء الملوث والغذاء الملوث.
الدم الملوث.
الدم الرخيص.
الخطباء والمفوّهون وتجّار الشعارات والعلاقات والمصالح.
الحلفاء والخصوم والأصدقاء والأعداء. الزعماء والرؤساء والوزراء والنواب وأبطال الأزقة والشوارع والشاشات. الأحزاب والطوائف والمذاهب والعصابات.
المخطوفون في الحروب القديمة والمفقودون في الحروب المقبلة.
قتلى المعارك العبثيّة وجرحى الرصاص الطائش والاشتباكات الفردية والانفجارات الموسمية.
الحفرة التي يتركها الانفجار.
الجثة التي تمشي بين ضحكات الناس. الجثة التي تمشي بين شتائم الناس.
الصمت المفزع في الوجوه.
الوجوه الباردة غير المبالية.
الصراخ المكتوم الذي يصير حقدا.
الحقد الذي يصير موتا.
الموت.
الحياة على بـعد خـطوتين من المقبرة. الحياة على بعد يومين من الانفجار.
الموت على بعد خطوتين من الحياة.

السابق
لبنان: لعنة الدور
التالي
وديع الصافي عيّد الـ 92 مكرما