وهم الحسم..

يتقدّم بشار الأسد في حمص ويخسر في معرّة النعمان، ويعاني في قلب دمشق. وذلك إن دلّ إلى شيء جوهري وحقيقي وحاسم، فإنّما إلى أنّ الحل العسكري ليس سوى وهمٍ خالص.
تعرف سلطة الأسد تلك الحقيقة الماسّية وتتجاهلها. وتمعن في المواجهة والتدمير والقتل، وتزداد شراسة. تفعل ذلك في واقع الحال لأنّها تعرف حقيقة أهم وأكثر إشراقاً وجودة ونصاعة من معدن الحقيقة الأولى، وهي تفيد بأنّ حربها خاسرة حُكماً مهما راكمت من انتصارات في معارك متفرقة، ومهما حاولت الإيحاء بأنّها لا تزال تملك زمام المبادرة وأنّ تلك المبادرة تدخل في سياق تأكيد الاستمرارية والبقاء، وانّ محور أي تحرك سياسي خارجي لمحاولة كسر الاقفال في الأزمة القائمة، إنّما يجب أن يقوم على التسليم بتلك الواقعة، أي برفض بشار الأسد التحرك من مكانه.

المعارضة من جهتها، تبدو أكثر واقعية، وتتصرف رغم كل ما يقال عن التشرذم وعدم وجود آلية مركزية لتحركاتها ومعاركها، استناداً إلى واقع الميدان، وحسابات حساسة. وأمام ناظرها خريطة فعلية وليس بلاغاً شعرياً: تعرف كما يعرف غريمها وعدوها، ان المرحلة الراهنة تبدو الأكثر ضغطاً وكثافة منذ اندلاع الثورة، بل تبدو وكأنها، كما يقول ميشال كيلو، في ربع الساعة الأخير، ولحظة الاستحقاق الكبير اقتربت أكثر من أي وقت مضى: .. تركيا تطور موقفها تبعاً لتطور الجنون الأسدي تجاهها، بل إلى أبعد من ذلك. وإيران سترتد إلى داخلها مبدئياً بفعل أزمتها المالية الآيلة للتصاعد ودخولها فصل الانتخابات الرئاسية في آذار المقبل. والولايات المتحدة ستكون بعد انتخاباتها الرئاسية في تشرين الثاني في موضع أكثر تقدماً أياً كان رئيسها. إذا فاز أوباما وذلك الأرجح، فسيكمل سياسته الواضحة الداعية إلى رحيل الأسد ويطوّرها مستفيداً من زخم "التمديد". وإذا خسر، فإنّ منافسه يقول من الآن انه سيسلّح المعارضة.. روسيا على دأبها السياسي وابتعادها الميداني (النسبي) والصين بعيدة أصلاً ولا دور لها يذكر في ترجمة مواقفها إلى أفعال.

في موازاة ذلك كله، تبدو المعارضة حريصة أمام كل هجوم مضاد كبير في حمص أو في غيرها، على تسجيل رد فوري ومباشر يجهض محاولة السلطة لتوظيف أي تقدم ميداني في أي موقع تفاوضي: تتقدم تلك في الخالدية فتحكم هي سيطرتها على معرّة النعمان. وتضرب في الوقت ذاته في قلب العاصمة وفي نقاط تعرف مدى حساسيتها بالنسبة إلى تلك السلطة وإلى حلفائها المباشرين على الأرض (!) والخارجيين من موسكو إلى طهران.. الأمر نفسه سُجِّل في الأشهر الماضية وفي حمص ذاتها. دخلت قوات بشار الأسد إلى حي بابا عمرو فانتقلت المعركة إلى حلب ودمشق واستعرت في كل الشريط الحدودي مع تركيا من جهة، وفي القرى والبلدات المحاذية للحدود مع العراق والأردن من جهة ثانية.

لا تتوهم المعارضة السورية ولا تحاول إيهام الآخرين بقدرتها وحدها على إسقاط السلطة عسكرياً، لكنها على عكس اعدائها تتصرف بواقعية وتقرأ جيداً وتتحرك بعد ذلك وفق أفق مختلف جذرياً عن أفق هؤلاء: تعرف انها في النهاية ستنتصر، فيما هؤلاء "يعرفون" أنّهم في النهاية خاسرون.

  

السابق
AFP: قصف اسرائيلي على قطاع غزة ولا اصابات
التالي
نوبل للفيزياء من نصيب فرنسي و اميركي