السفير: القانون للانتخابات النيابية والصراع على رئاسة الجمهورية

حسنا فعل الموسم الانتخابي، بأن كبّل أيدي السلطتين التشريعية والتنفيذية، فلم يعد بمقدورهما التفكير، ولو بإعادة النظر، برقم واحد من أرقام سلسلة الرتب والرواتب، وصار لزاما عليهما أن يصبحا أسيري مواعيد انتخابية، لا يستطيع الجزم بها نهائيا الا "امر عمليات" خارجي، كما جرى مع انتخابات العامين 2005 و2009، لا بل مع كل انتخابات مجالس ما بعد الاستقلال باستثناء انتخابات آب 1957، التي مهدت الطريق للاحتراب الأهلي في العام 1958.
ويشهد الملف الانتخابي، اليوم، فصلا جديدا من "الكرنفالية" و"عرض العضلات" على حلبة اللجان المشتركة في مجلس النواب، مثلما سيكون، اليوم، مدار بحث بين رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي.
ولعل تزامن الاستحقاق الانتخابي النيابي مع الاستحقاق الرئاسي الذي يليه، فرض مزاوجة غير معلنة بين الاستحقاقين، تسير القوى المعنية على هديها، ولو أن الظاهر في الطروحات هو الحرص على التمثيل المسيحي، بينما المضمون يحاكي طموحات من نوع آخر.
ويتجلى ذلك في السباق الجاري للوصول الى مطبخ نيابي في ربيع العام 2013، يستطيع أن يحدد هوية رئيس لبنان في ربيع العام 2014.
وبطبيعة الحال، لن يقول هذا أو ذاك، ما يريده رئاسيا، لأن ثمة من يسلم في الاتجاهين بأن الوقائع السورية، ستكون كفيلة وحدها بتحديد الهوية الرئاسية، وخاصة بالنسبة الى سمير جعجع الذي يعتبر أن حلمه الرئاسي قاب قوسين أو أدنى، اذا سقط النظام السوري قبل نهاية السنة، وصدقت وعود سعد الحريري وبعض الدول الخليجية والغربية.
أما العماد ميشال عون فيراهن على صنع أكثرية صافية من 65 نائبا مع حلفائه بلا وليد جنبلاط، تكون كفيلة بجعله المرشح الأول في الاستحقاق المقبل، علما أن كل تجارب الرؤساء منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، بيّنت أن رئاسة الجمهورية لا تصنع في مطابخ لبنان.
ويبقى أن تتولى اللجان النيابية المشتركة تقطيع الوقت، في غياب الادارة السياسية القادرة على إلزام الأطراف السياسية اللبنانية بصيغة انتخابية، موحدة، خاصة بعد أن حسمت جميع القوى خياراتها وحددت الاتجاه الذي ستسلكه.
ربطا بذلك، يصبح في غير محله التعويل على وصول اللجان المشتركة، قبل نهاية الشهر الجاري، كما يرغب رئيس المجلس، الى لحظة ردم الهوة بين المختلفين.
من هذه الزاوية جاءت نصيحة رئيس المجلس لنائبه فريد مكاري بأن لا يضيع في الاقتراحات الموجودة على جدول الأعمال (أربعة مشاريع واقتراحات قوانين)، وأن يجعل البحث متمحورا حول نقطتين، الأولى، حسم صيغة النظام الانتخابي، أي نسبي أو أكثري، والثانية، حسم التقسيمات الانتخابية، معتبرا أن كل ما عدا ذلك، هو في غير محله.
بهذا المعنى، تكون الحكومة ووزير داخليتها مروان شربل، قد أديا قسطهما للعلى، وكذلك فعلت القوى السياسية المسيحية، وها هو مجلس النواب يقوم بواجبه التشريعي، في انتظار أن تأتي اللحظة التي يصبح فيها القانون الانتخابي أمرا واقعا برسم كل اللبنانيين.
ولعل الدراسة الانتخابية التي وضعتها شركة "آراء للبحوث والإستشارات" تشكل مساهمة في ارشاد المعنيين بالشأن الانتخابي، الى مخرج ينطوي على موضوعية، لا تراعي ايا من القوى السياسية على حساب أي قوى أخرى.
ترتكز دراسة شركة "آراء" على المشروع المقدم من وزير الداخلية على اساس 13 دائرة (النسبية)، ويخلص تحليلها الى ان الموالاة (الحالية) والمعارضة، لن تحققا أية غالبية مطلقة، بحيث ستتعادلان بحصول كل منهما على 54 مقعدا نيابيا، وفي موازاتهما، يفوز 20 نائبا مستقلا.
وتلفت الدراسة الانتباه الى أن التوقعات المبنية على فرضية أن اللوائح والتحالفات ستكون شبيهة بانتخابات 2009، غير منطقية، لأن القانون الجديد سيفرض تغييرًا جذريًا في طريقة تشكيل اللوائح، إذ سيكبل قدرة التيارات الأساسية على وضع لوائح وفقًا لرغبتها فقط، حتى في الدوائر المحسوبة عليها، وسيكون عليها الأخذ في الاعتبار شعبية المرشحين وقدرتهم التجييرية.
ولحظت الدراسة ارتفاع نسبة مؤيدي النظام النسبي، وتذكـِّر بأن القوانين الانتخابية التي عمل بها في لبنان لم ترق إلى تحفيز شريحة كبيرة من اللبنانيين على الاقتراع، اذ لم تتجاوز نسبة المقترعين 50 في المئة من لوائح الشطب، كمعدل عام، في الانتخابات النيابية للعام 2009 بالرغم من حرارتها سياسيا، فيما كانت نسبة الاقتراع في 2005 حوالي 44 في المئة، وتشير الى أن اعتماد النسبية سيزيد نسبة المقترعين.
وتخلص الدراسة الى توقع أن يشكل النظام النسبي ما يشبه "الربيع اللبناني" في نتائجه التي ستفاجئ كثيرين، وتعيد تشكيل الطبقة السياسية في لبنان، اذا استمر اعتماد النظام النسبي في الدورات الانتخابية المقبلة . 
 

السابق
النهار: تقرير الداتا: طلبات الأجهزة دون مسّ بالسرّية
التالي
عن مسؤول أميركي