مائدة الرئيس نبيه بري

سواء كنت على خلاف مع رئيس مجلس النواب اللبناني (رئيس حركة أمل) نبيه بري، أو مختلفا معه بالرأي، لا تستطيع ان تتنكر لدوره في الحفاظ على خيط التواصل بين الفرقاء المتخاصمين على الساحة اللبنانية.

فالرئيس الذي أقفل ابواب مجلس النواب أمام موكب المحكمة الدولية، وفي وجه مشاريع قوانين حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كان هو ذاته الرئيس الذي فتح ابواب قاعات المجلس عام 2006 امام اقطاب طاولة الحوار ـ قادة البلاد الذين تفرقوا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وكانت البلاد في حينها قاب قوسين، أو أدنى، من فتنة كادت تدمر كل شيء، قبيل العدوان الاسرائيلي في يوليو من ذلك العام.

وإذا كان الرئيس بري لا يخفي حلفه مع الد اصدقائه في قوى 8 آذار، وعلى وجه الخصوص مع العماد عون وحزب الله، إلا أنه لم ينقطع عن التواصل مع اخصامه الذين لا يكن لهم الكره في قوى 14 آذار، بصرف النظر عن مقاطعة هؤلاء للقاء الاربعاء النيابي الذي يُعقد في ديوانيته الواسعة في ساحة النجمة، أو في عين التينة، وهو من المؤيدين على طريقته للرئيس ميشال سليمان وللرئيس نجيب ميقاتي، دون أن يكون هذا التأييد على حساب تمايزه عنهما في بعض الملفات الداخلية او الخارجية.

أما قفشاته اللدودة تجاه رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، فلم تتوقف حتى في أصعب الظروف، وتحديدا في العام 2008، ومعظمها كان فيه ثناء، أكثر من الانتقاد، ولكن حتى اللاذع من هذه القفشات، لم يفسد للود قضية بينهما، خصوصا انهما حالا دون تفاقم الامور في العديد من المحطات التي وصل فيها التوتر في البلاد الى حدوده القصوى، كما في اعقاب مهرجان ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في مارس 2009، عندما استشهد لطفي زين الدين، فنزل جنبلاط بنفسه يهدئ التوتر في بحمدون، وارسل الرئيس بري وفدا للمشاركة في التشييع، برغم أجواء الاحتقان في حينها.

في لحظة التوتر الذي يعيشه لبنان على خلفية تداعيات الاحداث السورية، وفي ظل الانفلات الامني الذي كاد يطيح بالاستقرار النسبي في لبنان، فتح الرئيس بري باب غرفة مائدة الطعام في عين التينة، ودعا الرئيس فؤاد السنيورة وتناول معه طعام الغداء، وكان قبل ذلك تناول العشاء على الطاولة ذاتها مع قائد الجيش العماد جان قهوجي.

لمائدة الرئيس بري مجموعة من الاعتبارات في اللقاءين المنوه عنهما، ولكل منهما دلالات مهمة، وتأثيرات لا يستهان بها في هذه الظروف بالتحديد، وفيهما رسائل متُعددة الى أكثر من جهة، داخلية وخارجية.

فدعوة قائد الجيش، تأكيد على دور هذا الجيش في حفظ الاستقرار، وتأييد لخطواته المهمة التي اتخذها، خصوصا في الضاحية الجنوبية، بعدما أوقف المشاركين في اعمال الخطف، وادخل بعض رموز ما كان يطلق عليهم «الجناح العسكري لآل المقداد» إلى السجن.

اما دعوة رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة الى مائدة الغداء، فلها أكثر من دلالة، وتحمل ابعادا متعددة، لعل أهمها:

أولا: رد التحية للسنيورة، الذي سبق ان اشاد بخطاب الرئيس بري في مهرجان ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر.

ثانيا: التأكيد على ان الفتنة في لبنان ممنوعة، وتحديدا بين المسلمين، وذلك تجسيدا لما اعلنه بري عن هويته الشيعية وهواه السني، وكان الأمر محل تقدير من قبل معظم القيادات اللبنانية.

والرسالة الثالثة من تلك المائدة، هي في الاشارة الى الاستعداد المستجد لفصل المسار اللبناني عن المسار السوري في ملفات الامن والاقتصاد، وفي السياسة.

اما الرسالة الرابعة فهي في تأكيد الرئيس بري على أنه ينفذ أجندة التهدئة بكل جدية، بما في ذلك ما يتعلق بقانون الانتخاب.
  

السابق
طائف جغرافي لكربلاء السورية؟
التالي
حاكموا باسيلي…