ماذا يحصل داخل هيكلية حزب الله؟

«الله يعين سماحة السيّد حسن، على شو بدو يلحّق، ما بيلحق يكمش عميل، حتى يظهر مختلس». هو كلام يصدر عن قاعدة «حزب الله» الجماهيرية وبعض قياديّي الحزب مع كلّ عملية اختلاس أو عمالة يتمّ إحباطها على أيدي جهاز الأمن المضاد التابع لـ«حزب الله» والمطعّم ببعض من رجالات الاستخبارات الإيرانية.
المشكلة أنّه لم يعد هناك قوّة ردع أو حتى حُرم يمنع بعض المنتمين إلى "حزب الله" من عدم إرتكاب الأعمال التي تتعارض ليس فقط مع المبادئ التي قام الحزب على أساسها، إنّما مع شريعة الحياة والاديان السماوية. فالجميع هنا يريد أن يستغلّ الفرص ليصبح من رجال الأعمال اسوةً ببعض القيادات السياسية والامنية التي امتدّت مشاريعها إلى خارج بنيان الضاحية الجنوبية، وربّما قد استقرّت في حضن بعض رجال الأعمال في قوى "14 آذار".

هي كلمات تخرج عن أشخاص عاصروا "حزب الله" منذ إنطلاقته السياسية وصولاً إلى اللحظة الحاليّة، يشتكون فيها من الوضع المزري الذي وصل اليه حزبهم. فيندفع قاسم ع، إلى افراغ ما في جعبته من معلومات تُكشف للمرّة الاولى عن قياديّين ناضلوا وقدّموا حياتهم من اجل مقاومة عدوّ قاتلوه حتى الثمالة، فنَصبَ لهم شرك عمالته وظلّ ينتظر لأكثر من ثلاثين عاماً حتى أوقع بعضَهم في شباكه.

يعود قاسم بذاكرته إلى يوم القبض على القيادي في "حزب الله" محمد الحاج "أبو تراب"، بتهمة العمالة للمخابرات الاميركية، فيؤكّد أنّها كانت ضربة قوية يصحّ فيها القول، "الضربة التي قصمت ظهر البعير"، مع العلم، يضيف قاسم، أنّ الحاج لم يكن عميلاً لـ"سي أي ايه" لمدة عامين فقط كما سبق وادّعى نصرالله في إحدى إطلالاته التلفزيونية، بل ضُبط بجرم التعامل مع الموساد الإسرائيلي، بعد إغتيال عماد مغنية بعام واحد، ولدى التحقيقات المكثفة معه تبيّن انه زوّد الموساد معلومات تتعلق بمنظومة "حزب الله" الصاروخية والتي كانت تحت إشرافه شخصياً.

والمعلومات التي يمتلكها قاسم تكشف أنّ "أبو تراب" موجود اليوم في إيران مع مجموعة من عناصر الحزب الذين تمّ اصطيادهم بالجرم نفسه، وهؤلاء يخضعون لتحقيقات على أيدي النخبة من رجال المخابرات الايرانية. وهنا يكشف بأنّ نصرالله لم يكن يعلم أنّ جهاز أمن "حزب الله"، وبالتعاون مع المخابرات الايرانية، هم في حال مراقبة لـ"أبو تراب"، وقد صُدم فعلاً لحظة إحضاره اليه مكبّلاً بعد موعد حُدّد مسبقاً معه. يومها توجّه اليه نصرالله بسؤال وحيد هو: "لماذا فعلت ذلك"؟ ليدخل بعدها الى غرفته لفترة لم تزد عن نصف ساعة.

الإتصال بالسيّد علي خامنئي كان اوّل ما فعله نصرالله بعد خروجه من غرفته، فيلفت قاسم إلى أنّ حواراً طويلاً دار بين الرجلين امتدّ لاكثر من ساعة، دار خلاله نقاش حول العملاء الكثر الذين بدؤوا يظهرون فجأة داخل بنية "حزب الله"، وهنا لعب الخامنئي الذي سبق أن التقى "أبو تراب" مرّات عدة دوراً بارزاً في تهدئة نصرالله، إذ أخذ يذكّره بما كان تعرّض له الأمام الحسين من خيانات على أيدي مقرّبين منه ومن جدّه النبي محمد ووالده علي بن أبي طالب، وحذّره من أنّ الدنيا ستحمل له الكثير من الآلام والمفاجآت السلبية، ولكن علينا ان نتحمّلها لنوصل المقاومة إلى برّ الأمان، لأننا في نهاية المطاف سننتصر.

هذه المعلومات هي في متناول الحلقة الضيقة بنصرالله فقط، وذلك بحسب قاسم الذي يشير إلى أنّ مردّ عمالة "أبو تراب" مع جهاز الموساد، تعود إلى ما بعد مقتل مغنية، يوم قرّرت القيادة الايرانية تسليم دفّة قيادة المقاومة إلى مصطفى بدر الدين، وهو الذي كان ينتظر سدّ هذا المنصب نظراً لموقعه المتقدّم وللتضحيات التي بذلها أثناء حرب تمّوز، وما تلاها من تحضيرات عسكرية ولوجستية.

ويلفت قاسم إلى أنّ العامل الاهمّ الذي ترك أثراً في نفسية "أبو تراب" وجعله صيداً سهلاً للإسرائيلي، هو حجم الفساد الذي استشرى داخل الحزب والذي جعل قيادييه السياسيين من أصحاب النفوذ المالي الذي لم نعهده في اوساطنا قبل تلك الفترة.

ومن ملفّ "أبو تراب" يدخل قاسم إلى اللقاءات والخلوات المتتالية التي يعقدها نصرالله تباعاً مع قياديّي الصف الاوّل في الحزب، ليبدأ الاجتماع بتفنيد نصرالله للحاضرين كلّ شاردة وواردة تتعلق بحياة هؤلاء وعائلاتهم وطريقة عيشهم والشقق والشاليهات والسيارات التي يقتنونها هم وزوجاتهم وأولادهم، إضافة إلى الأموال التي يصرفونها في اليوم، والخدم والسهرات التي يقيمونها في لبنان والخارج، ليصل في نهاية المطاف إلى وعظة بدأت بسؤاله الآتي: من أين لكم كلّ هذا المال؟

وليتابع بالقول: إنّ المجاهد على جبهة الجنوب ينتظر بفارغ الصبر راتب الـ 500 دولار آخر كلّ شهر ليعيل عائلته، فهل أنتم افضل من نعال هؤلاء المقاومين؟ وهل قدّمتم للحزب ما قدّمه هؤلاء المجاهدون؟ والسؤال الأهمّ الذي طرحه نصرالله يومها هو الآتي: أين هم أبناؤكم الآن، هل هم على الجبهة أم في علب الليل؟"

وعلى حدّ تأكيد، قاسم فإنّ الإجتماعات تلك، أفضت إلى مجموعة قرارات اتّخذها نصرالله بحق المتورّطين في الفساد بعد تفويض من الخامنئي أدّت إلى إقالة مسؤول جهاز أمني معروف من منصبه بعد مواجهاته بالأدلّة والبراهين التي تؤكّد تورّطه ونجله في عمليات مشبوهة كالدخول في شراكة مع بعض التجّار من دون أن يدفعوا قرشاً واحداً، وذلك من باب إعطائهم ضامناً يبقي على تجارتهم داخل الضاحية الجنوبية.

وقد تمّ فعلاً تعيين إحدى الشخصيات التي يثق بها نصرالله خلفاً لذلك المسؤول الذي بقي في موقع الصورة فقط إلى حين الإعلان عن (م خ) الشخصية الامنية الجديدة التي يُفترض أنّها باشرت مهمّاتها منذ شهر تقريباً.

ويُفجر قاسم معلومة أخرى تتعلق بإلقاء أمن "حزب الله" القبض على عدد من الأشخاص تربطهم قرابة بنصرالله، هؤلاء كانوا استغلّوا هذه القرابة للتمويه إمّا عن تجاراتهم غير المشروعة بالمخدّرات، أو تهريب أسلحة إلى الثوّار في سوريا. وأمام كلّ هذه التحديات التي يواجهها نصرالله، لم يعد يأمن لأيّ من المقرّبين منه سوى لصهره "أبو علي" الذي أصبح المسؤول الاوّل عن مجموعة يبلغ تعدادها مئتي عنصر وربّما اكثر، مهمتها حماية أمن نصرالله والمقرّات التي يتردّد اليها بين الحين والآخر لدواعٍ أمنية. ويجزم قاسم بأنّ نصرالله آلَ على نفسه مواجهة كلّ أنواع الفساد داخل الحزب حتى لو كلّفه الأمر بقاءه وحده في هيكلية "حزب الله".

ويشير قاسم إلى تأسيس مجموعة من الهيئات والمراكز المختصّة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحزب وخصوصاً الضاحية الجنوبية، مهمتها دراسة اسباب التراجع الاجتماعي والثقافي والعمل على وضع خطط عملية لمواجهة الانحدار الأخلاقي الحاصل عند البعض، يتولّى نصرالله شخصيّاً متابعة كلّ القضايا التي تتعلق بمواجهة حالات الفساد والظواهر الاجتماعية السلبية، وهو كان اصدر تعليمات خاصة لوسائل اعلام الحزب، وخصوصا تلفزيون "المنار" لوضع ضوابط معينة لمنع بروز بعض المظاهر السلبية وخصوصاً على صعيد الالتزام الديني، وقد رصد لهذه الحملات مبالغ ماليّة طائلة تُصرف على الحملات والشبّان والشابّات الذين يعملون ضمن إطارها.

يأبى قاسم ان يختم حديثه إلّا بالتأكيد أنّ مؤتمر الحزب المقبل، سيشهد العديد من التبديلات داخل هرميّة "حزب الله"، وهذا القرار قد اتّخذ ولا إمكان للتراجع عنه، إذ إنّ هناك مجموعة من الأسماء بدأ الحزبيّون منذ الآن يتكهّنون في احتمال تولّيها هذا المنصب أو ذاك، والمؤكّد أنّ إجتماعات متكرّرة جمعت نصرالله بقياديين من الحرس الثوري الإيراني بأوامر من الخامنئي تمّ من خلالها تحديد المهمّات التي سيتولّاها أشخاص عرّف عنهم بالإصلاحيّين الجدد.

• قاسم هو اسم مستعار لشخصية قريبة من قيادة الحزب  

السابق
رصدٌ أميركي لمسيرة الجيش الأمنية
التالي
هكذا قتلنا الطفولة مرة أخرى … في بنت جبيل