ربط نزاع مع واشنطن

في ردود الفعل على الفيلم الاميركي ــ الاسرائيلي البائس، كان لافتاً، لجمهور كبير، كيفية تصرف حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله. الامر لا يتعلق بالموقف من الحشد الذي تعوّده اللبنانيون عندما تكون هناك دعوة مباشرة مع السيد نصرالله نفسه، او لمناسبة خاصة عند هذا الجمهور. وبالتالي، فإن فكرة الاحتشاد لا تدل على جديد. وحتى الذين اعتقدوا انها استعراض للقوة، يعرفون حقيقة الامر عند اللزوم. وبالتالي فإن الفكرة فيها، هي القدرة على توفير هذا الحشد خلال ساعات قليلة. وتصرف الجمهور اللصيق بالحزب او الداعم للمقاومة المباشرة بالتعامل مع التظاهرة على انها حدث يتجاوز فكرة الفيلم السيئ بذاته.

طبعاً، لم يتوقع احد ظهور السيد نصرالله مباشرة. بل لم يتوقع احد ان يلقي كلمة ولو مختصرة امام الحشد، لا من خلف شاشة. لكن الذين يعرفون الرجل يدركون انه ما كان لدعوته «فداء الرسول بالنفس» من معنى في ما لو بقي خلف شاشة خشية تعرضه لعملية اغتيال تنشغل اسرائيل، ومعها كل اجهزة الاستخبارات العربية والدولية، في التحضير لها منذ زمن بعيد. وهو في هذا السياق لا يقول جديداً لجمهوره، بل يعيد توضيح موقعه الشخصي لأعدائه الكثر، الذين يعرفونه، ولكنهم يأملون تغييرات في سلوكه مع الزمن.

المسألة الاخرى تتعلّق بجوهر الموقف الذي قدم له السيد نصرالله قبل يوم من المسيرة، والذي شرح فيه خلفية الموقف السياسي والديني والسلوكي، ليس ازاء الحادثة نفسها، بل ازاء الراعي الفعلي لمثل هذه الاعمال. ولو ان من يشاهد الدقائق المدبلجة من الشريط كان ليثور نتيجة التلوّث الفني والبصري والسمعي قبل ان يثور لكرامة من اهانه الفيلم وصانعوه. وبهذا المعنى، من المفيد التفكر في بعض الامور:
اولاً: ان السيد نصرالله يدعو عموم المسلمين، والمقصود هنا، بوضوح، السنة والشيعة، الى التموضع حيث يجب في مواجهة من يتعمّد ــ من دون توقف ــ اهانتهم والنيل من كل شيء يخصهم، من مقدسات وأوطان وحريات وحقوق وكرامات. وهو ربما نجح حيث اخفق الآخرون من ابناء التيار الاسلامي. اذ ان السيد نصرالله لا يملك حساباً تبادلياً مع الاميركيين ليعمد الى مداراتهم كما فعل تنظيم «الاخوان المسلمين» في كل العالم، او كما فعلت حكومات بلدان تقول إنها تحكم باسم الاسلام. وهذا ما جعل الاحتجاجات القائمة في عدد من الدول تتم من دون تنظيم، وربما هي أدت الى أعمال عنف قد لا تكون محلّ اجماع. ولو ان على الاميركيين، مواطنين ومسؤولين، الشعور دوماً بالمسؤولية المباشرة عن كل انواع الشرور القائمة في عالمنا اليوم. لكن «التنظيم الاسلامي الرسمي»، الصاعد على ظهر الانتفاضات العربية، بدا واضحا انه غير معني بمعركة مع الاميركيين ومن خلفهم مع الغرب ايضاً. ولذلك جاءت خطوة حزب الله مربكة لهذا الفريق، الى حد اعتبار بعض اركان هذا التيار أن ما قام به السيد نصرالله انما هو محاولة لخطف السفينة.
ثانياً: يعيد السيد نصرالله تذكير العالم بأن المشكلة مع الاميركيين ليست محصورة في ملف امني او سياسي او موضعي، بل هي قابلة لأن تكون معركة مفتوحة حيث يتورط الاميركيون في أعمال قذرة. وهو في هذا الملف، قال كلاماً، في كلمة الاحد، ضمّنه ما عرفه بالسقوف الدنيا والقصوى للمطالب، ثم ارفق هذه المطالب، الاثنين، باشارة تحذير من ان تمادي الولايات المتحدة في كرهها للعرب والمسلمين سيرتّب تداعيات خطيرة.

في النقطة الاولى، ليس هناك مؤشرات على ان الجهة العربية والاسلامية المتورطة مع الغرب الاميركي في وارد ادخال تعديلات على برامجها السياسية، وبالتالي فهي ستواصل استخدام النعرات الطائفية والمذهبية في معركتها ضد محور المقاومة. والله اعلم ما اذا كانت المعركة مع الروس والصينيين ستبرز الى السطح فروقات تكفيرية ضد الارثوذكس من المسيحيين او البوذيين. وهذا يعني، في المحصّلة، ان خطوة حزب الله ستحدث إرباكاً عسى ان تكون له نتائجه على صعيد الجمهور.

وفي النقطة الثانية، هناك معادلة جديدة تقوم على مبدأ «ربط النزاع» مع الادارة الاميركية، وهو نزاع ليس مستجداً في حسابات احد. لكنه متجدّد في ظل التورّط الاميركي الاكبر في مواجهة حريات الشعوب العربية والاسلامية وحقوقها من جهة، وفي سعيها الى احتواء الانتفاضات الوطنية لمنع التغيير الحقيقي كما يجري في مصر وتونس واليمن وليبيا، او في سعيها الى السيطرة على الحراك في بلدان مثل سوريا بقصد جعل حرب الاستنزاف الاهلية مفتوحة من دون افق لحل سياسي. وبالتالي، فإن من السذاجة توقع ان تكون الولايات المتحدة بمنأى عن دفع الاثمان ازاء ما تقوم به.

في هذا السياق، يبدو واضحاً، وبقوة، واستناداً الى معطيات كثيرة، ان الولايات المتحدة قررت رفع وتيرة الانشطة الهادفة الى تطويق دول وقوى محور المقاومة. وهي تنفق عشرات الملايين من الدولارات على برامج تهدف الى جعل العلاقة معها، او حتى مع اسرائيل، امراً عادياً، يمكن وضعه في خانة «وجهة نظر أخرى». وهو امر لن يكون حقيقياً مهما بذل اصحاب هذه الوجهة من اكاذيب وقذارة. وعسى ان يفهم المتعاملون مع هذا العدو، او المستسهلون لهذا التعامل، الرسالة بشكل صحيح وقبل فوات الاوان!  

السابق
زلة لسان إيرانية؟
التالي
عنزة.. ولو طارت!