اليد الممدودة بالمحبّة لا تُقابَل بالعضّ

مع بداية تطوّر الأحداث في سورية وانتقالها من تظاهرات سلمية ـ كما كان يُقال ـ إلى عنفٍ وقتلٍ وتدميرٍ ـ كما هو الواقع والمحتّم على ضوء الترتيبات والتوجيهات الخارجية ـ ارتفعت أصواتٌ لبنانية الهوية تنادي بالويل والثبور، وترفع شعارات الوطنية والقومية العربية، وتشابك المصالح في المناداة بالحرّية وحقّ الشعوب ـ تقول «إنها فقط تقدّم المساعدات الإنسانية إلى الهاربين من ظلّم النظام وتعنّته» .
تلك الأصوات نفسها كانت تحرّض الخارج، في الاتحاد الأوروبي وما يسمّى بجمعيات حقوق الإنسان لترفع الصوت معها، ووصلت الحماسة الإنسانية بوزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية ـ السيدة كلينتون ـ إلى المطالبة بتقديم المساعدات الإنسانية إلى أولئك الهاربين من الجحيم.
المشهد كان هكذا في أحد المعسكرَيْن اللبنانيين، أي في المعسكر المنادي بحرّية الشعوب وديمقراطية الفوضى الخلاقة وصورة الشرق الأوسط الجديد. أمّا في المعسكر الآخر الموصوف بأنّه معسكر العملاء، فكانت الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية، وعدم السماح بانتقال التوتّر إلى داخل لبنان. ولذلك، جرى توصيف أبناء هذا المعسكر بأنّهم «يرفضون إيواء الهاربين ومساعدة النازحين السوريين خدمةً لـ«نظام الأسد» وخدمةً لإيران».
أبناء هذا المعسكر كانوا يرون ما سيحدث لأن التحليل المنطقي، وأبسط مبادئ العلوم العسكرية كانت تشير إلى تسلّل طواقم «الجيش السوري الحر» ـ بحسب تسميتهم – إلى الداخل اللبناني بغية إحداث مزيد من الفوضى لكي يسهل اتّهام النظام السوري، وبالتالي اتّهام مؤيّدي سورية في لبنان والخائفين على لبنان في الدرجة الأولى، وعلى أمن المنطقة كلّها.
الأمر بسيطٌ في التحليل. هناك من يستعمل عقله ويحسب الروزنامة وفي أيّ شهرٍ نكون، وأنّ الفصل شتاء مثلاً تهبّ معه العواصف والرياح العاتية وتهطل الأمطار غزيرةً، ولذلك راح يحذّر ويقول بضرورة الانتباه لدرء العواقب. وهناك أيضاً من ينتظر هبوب العواصف ليصرخ أن المطر ينهمر علينا. الأول رأى وفكّر واستنتج، والثاني انتظر حتى هبوب العاصفة ليصرخ. هو الفارق بين من يفكّر ويرى، وبين من ينتظر الكارثة ليقول ما يريد.
طواقم «الجيش السوري الحر» صاروا في العاصمة بيروت، وفي الضاحية الجنوبية أيضاً، كما في طرابلس وصولاً إلى صيدا وصور. وعند اختطاف لبنانيٍّ في سورية تحرّك بعض أفراد عائلة المخطوف اللبناني إلى اعتقال من يقال أنّهم من «الجيش السوري الحر»، أو اختطافهم. إذا كانت هذه هي الفوضى وهدم الدولة، فمن هو المسؤول؟
«نعيماً» لأبطال الهجوم على الحكومة التي اتّبعت سياسة النأي بالنفس، وهي الحكومة التي يريدون إسقاطها، فجرى التهجّم على الجيش اللبناني، وارتفعت الدعوة إلى استبعاد الجيش عن الشمال ـ الغاية كانت في نفس يعقوب وافتضحت بعد أن تبيّن أنّها كانت لتفريغ الشمال من الجيش على أمل تسهيل تحرّك ذلك «الجيش الحر»،
أرأيتم كيف يدبّ الخراب؟ هل رأيتم كيف أن سياستكم تقود إلى انتشار ما تسمّونه وعياً وحرّيةً بينما هو نشرٌ للخراب؟
لبنان في حاجة إلى رجال يرون العاصفة قبل أن تهبّ على الوطن، وأنتم تتباهون بأنكم ترون العاصفة بعد أن هبّت وضربت ونشرت المزيد من الخراب والدمار والمزيد من التشرذم. هل نقول لكم «هنيئاً ما فعلتم؟!». الوعي الوطني ليس كلاماً ولا خطابات ومزايدات، هناك يدٌ مُدّت إليكم فلا تقابلوها بالعضّ. 
 

السابق
عن الأداء البائس لمعارضين سوريين
التالي
توازن الخوف العامل الأساسي للاستقرار