فساد الأنظمة وفساد العقول

بعض المثقفين والسياسيين الذين يعبرون عن دعمهم للمعارضات السورية يصرّحون بأن سبب دعمهم لما يسمونه «الثورة السورية» هو مواجهة «النظام الفاسد».
هل يمكن لأحد من هؤلاء أن يبرهن لنا بالمنطق، لماذا الدول الأكثر فساداً في التاريخ تدعم ثورة بمواجهة فساد لا يمكن مقارنته بمقدار فسادها وما هي مصلحتهم في ذلك؟
يذهب بعض المستكتبين في هذا الموضوع إلى استنتاجات فاسدة منطقياً وتدل إمّا على تعطيل عقولهم وادراكهم نتيجة العصبيات والغرائز، أو على تلوّث عقولهم بأموال النفط والغاز.
في دعمهم للمعارضات ضد النظام السوري، يطرحون عدم مواجهة النظام للكيان الصهيوني منذ 40 سنة، وأنه تخلّى عن كيليكية والاسكندرون لتركيا.
هذا الكلام غير صحيح لأن النظام السوري واجه الكيان الصهيوني ودفع ألوف الشهداء خلال الاجتياح الصهيوني للبنان وواجه من خلال الدعم الكبير للمقاومة في كل حروبها التي توّجت بالتحرير عام 2000 وبالانتصار عام 2006،
لكن بغض النظر عن صحة أو عدم صحة المقدّمات فالاستنتاج يدلّ على فساد المنطق.

لو سلمّنا بأن النظام السوري لم يواجه الكيان الصهيوني وتخلى عن كيليكيا والاسكندرون فهل يؤدي هذا إلى تأييد معارضات يلتقي قادتها علناً مع الزعماء الصهاينة ويظهرون في الإعلام الصهيوني بدون خجل ويتلقون الدعم والمباركة من قادة العدو؟
قادة المعارضة السورية موقفهم واضح ومعلن ضد محور المقاومة ومؤيّد للسياسة الأميركية، وهم يتلقون التدريب والدعم من ضباط فرنسيين وإنكليز وأتراك، ويتم تشكيل مجالسهم وهيئاتهم في تركيا ودول الخليج، وبارادة اميركية.
هل يعني وقوف المعارضات مع السياسة العثمانية الجديدة أنه السبيل لتحرير كيليكية والاسكندرون ؟ ! وهل يؤدي وقوفهم مع المشروع الأميركي الصهيوني إلى تحرير القدس؟!
إنه فساد العقل، تعطيل وظائف العقل وشلّ قدراته.

عندما يسيطر الجهل وتسود العصبيات والغرائز يتعطّل فعل العقل. عندما نفتقد القدرة على حل المشاكل عن طريق الحوار، وعندما نرفض مبدأ الحوار بالمطلق ونلجأ إلى لغة العنف والسلاح والدمار والقتل العبثي والمجاني ضد المدنيين والأبرياء لمجرد الاختلاف في الدين أو الطائفة اوالمذهب أو اللون السياسي، نعلن موت العقل وانفلات وحش الغرائز.
تنطلق حركات المعارضة في سورية بسلوك غرائزي وتغييب لفعل العقل، لا يوحّدها فكر سياسي ولا تلتقي على حد أدنى من المبادىء الأساسية ولا تجمعها برامج عملية. إنها معارضات من دون رؤية وفكرواضح سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، تجمع الناس بالحقن المذهبي والطائفي والدعوات التكفيرية.
كلٌّ من قادة «المعارضة» متربص بالآخر، وكلّ مرتبط بجهة خارجية وتلتقي جميعها عند السيد الأميركي.

المثقفون الداعمون لهذه المعارضات هم في غالبيتهم من الماركسيين المتحوّلين إلى ليبرالية المحافظين الجدد والمرتبطين بأموال النفط.
إنه فساد العقول عندما يبيع المثقف ضميره ويبدل قناعاته وفق الأهواء والمصالح.
إنه فساد العقول عندما يتم تعطيل وظيفة العقل في الإدراك والتعيين والفحص والتدقيق والتمييز والربط والاستنتاج، والإبداع والابتكار، وعندما نفتقد القدرة على حل قضايانا ومشاكلنا بالحوار والمنطق.
غياب المنطق بسبب الجهل والتعصب والحقد لظلامة شخصية أو غير ذلك يدفع إلى السلوك غريزياً بالانتقام فيتعطّل التحليل العقلي. غياب الأخلاق بسبب ارتباطات مالية ومصلحية يدفع المثقفين إلى الافتراءات والأكاذيب واللف والدوران والسخرية والاستهزاء والوقاحة.

رؤوس عاجزة عن التفكير السليم لأنها استبعدت العقل وأفرغت كل مستوعبات الرأس لاستقبال آلهة الجنس والمال.
فساد النظام يمكن مواجهته والحدّ منه وإصلاحه، أما فساد العقول فهو مرض يصعب علاجه ومداواته.
فساد النظام تصلحه العقول الجيّدة التي تعمل بالمنطق، والإرادات الحرة المستقلة وغير المرتهنة للأجنبي. أما العقول الفاسدة فهي كفيلة بافساد أي نظام مهما كان جيّدأ.
إن فساد النظام أهون كثيراً من فساد العقل، ومحاربة العقول الفاسدة أولى من أي شيء آخر.  

السابق
هل فقدّ ماهر الأسد ساقيه؟
التالي
آل المقداد يؤكدون اختطاف عدد من السوريين من الجيش السوري الحرّ