حبيتك بالصيف وما نطرتك بالشتي

ليست غراميات الصيف موضة موسمية تروج ثم يأفل نجمها. وحكاياها غير محصورة في أماكن وأزمنة دون سواها. ففي «ميس الريم» تسدل الستارة «آخر أيام الصيفية» على صوت زيون تستجدي أهل الضيعة ألا ينسوها «كل ما حبوا اتنين»، بعد اضطرارها للعودة إلى الضيعة بعدما التقت نعمان ووقعت في حبّه. يداعبها الحنين، ندى، حين تسترجع غرامياتها في ضيعتها كفريا، حيث لجأ حبيبها إلى البلدة هربا من الحرب الأهلية المستعرة في طرابلس. تقابلا لمّا بدأ العنب والتين بالنضوج، و«خلصت القصة» لما حان قطاف الموسم، والقبلات التي لم تنته مثل جسر مقطوع.

لا تتوقف «غراميات الصيف» عن التوالي، وإن أوغلت مضامينها في الأبعاد الجنسية على نحو أكثر تطورا. فمنذ سنوات قليلة، شوهد على الشاشة الفضية «خوان أنطونيو» يعرض على «فيكي» و«كريستينا» علاقة جنسية صريحة خلال اجازة صيفية في برشلونة. تقيم سمر (23 سنة) إسقاطا لهذا الفيلم على قصتها مع رسّام قابلته في علبة ليل في اسبانيا خلال زيارة صيفية لخالها. «اصطحبني معه إلى إيطاليا وفرنسا والتقط لي الصور على البحر مرتدية فستانا اختاره لي، ورسمني عارية». سمر التي شعرت بأنها ملهمة رسّام شغوف لم تتوقف عن البكاء منذ كان يقلها إلى المطار حتى وصولها إلى بيروت. «كنت أعلم بأنه حبّ لا يتكرر»، تضيف مؤكدة أنه يستحيل التخلي عن المشاعر الخاصة تجاه الطرف الآخر مهما كانت العلاقة عابرة. فلمّا أرسل لها في عيد الحب باقة من الورود، استيقظ في قلبها شغف الصيف، لكنها حاولت تلافي الانغماس بهذه الحالة، لأنها كانت قد بدأت بعلاقة طويلة الأمد مع شاب آخر.

لا ينكر شاهد إضافات علاقته الصيفية القديمة على تجربته مع الرسم. بعد علاقة دامت شهرين ونصف الشهر، التقط «قلبه» صورا ودوّن رأسه أحاديث ممتعة خاضها مع صديقته التي اضطرت للعودة إلى مدينتها بعد انتهاء «الكزادير» والجلسات الحميمة التي كانت تكلّل بالجنس التام. يوضح أنّهما لم يزمعا إقامة أي ارتباط جدي، كان كلّ منهما «ونيس» الآخر صيفاً. إلا أنه لم يكن جاهزا لغصّة الوداع، ما ثبّت لديه أن رغم آنية تلك المشاعر، كان لها طعمها الحقيقي الذي تمكّن من ترك ترسّبات في خياله الفني. فهو أحيانا لا يميّز بين الصبية التي تقف الآن حافية، ترخي مرفقيها على الشباك، وبورتريه «امرأة على الشباك» لسالفادور دالي، أو يمنع وجه الفتاة الجالسة قبالته من الانشطار إلى نصفين بلوني الفحم والحنطة كوجه امرأة في إحدى لوحاته المفضلة لبيكاسو.

تزداد حظوظ راني الغرامية صيفا مع ازدياد الحركة في مطار بيروت حيث كان يعمل. أصبح يفهم «ع الطاير» ما إذا كانت الزبونة تحتاج ولّاعة سجاير لمجرّد التدخين، أو التدخين أمامه لأجل غوايته. فقد خاض مع صبية سويدية – لبنانية غليانا جنسيا لم يعرف له مثيلا، بدأ بطريقة تدخينها، وانتهى بعد 4 أشهر من الليالي البيضاء المحمومة بالشهوة. منذ أول ليلة، فهم راني أنها امرأة قادرة على إشباع خيالاته الجنسية، ولم يشأ الوداع قبل أن يرقصا «ديرتي ديسينغ» في الـ«سكايبار». «قلتلها نلحق نسهر بالسكايبار قبل ما يسكّر بتشرين»، يقول راني الذي يعتبر أن علاقته بها قائمة على مصلحة جنسية متبادلة.
بالمقابل، فشل زكريا في وضع حدّ لغراميات الصيف، أو تأطير مصلحة الطرفين بوضوح مثل راني. ويعتقد أنّ العلاقات الصيفية التي خاضها، المتحررة في ظاهرها، تحمل نيّة في تحرّر فتيات يعانين ضغوطات اجتماعية تدفعهن «لاصطياد» حامل جواز سفر أميركي أو أوروبي كما هو حاله، وهنا تقع الخيبة: بينما يسعى زكريا لتمضية إجازته الصيفية مع شريكة لطيفة وعلى قدر من الجمال، يصطدم بمحاولات للتشبث به من أجل السفر. فصديقته إستيل مثلا، عرضت أن تدفع مبالغ خيالية لقاء زواجه بها، الأمر الذي أثار نفوره ودفعه لإنهاء العلاقة فورا.

أمّا عبد الله (22 سنة)، فيجيب بنفس السؤال الذي سمعه للتو: «شو يعني حب صيفي؟!»، قبل أن يحاول تعريف المصطلح بـ«علاقة عاطفية يصدف أن تبدأ في الصيف ولا تستمرّ لسبب ما». وتتعدّد هذه الأسباب بين العودة إلى مكان السكن، والالتزامات المهنية والعلمية التي تعود مع الشتاء. لكنّه يؤمن بأنها علاقة «زائفة»، فالمشاعر الحقيقية برأيه قادرة على تخطّي البعد الجغرافي وكثافة الأشغال. ويعتبر أن هذه العلاقات قد تفيد في التعرف إلى الجنس الآخر وتطوير ما يسميه بلزاك بـ«التربية العاطفية». لكنه لا يظنّ أنه سيخوض غراما صيفيا، فهو لا يضمن توقي الفواتير العاطفية التي تدفع عند إنهاء العلاقة. «بيكونوا تعودوا ع بعض وأكيد رح يتعذبوا كتير لما يتركوا»، بعكس ليال (25 سنة) التي لا تخاف اختبار غراميات صيفية جديدة بعد علاقة دامت أربعة شهور، تصف بأنها كانت استثنائية على كل الأصعدة. فغراميات الصيف تبقي أمام ليال باب الخيارات مواربا، من دون أن يعترض حريتها في البقاء أو الاستمرار في علاقات لا تريدها أن تفضي إلى «الحبس»، أي الزواج.

تزيل غراميات الصيف التلبدات عن قلوب شباب وعيون بعضهم و«فانتازم» الكثيرين منهم، بينما يرفض آخرون خوض غمارها حرصا على «أقل خسائر عاطفية ممكنة». زرقاء غراميات الصيف، ففي إحدى القصص فستان أزرق قصير قَدح زناد الرغبة لدى ذلك الشاب تجاه صبية الحلم، وأزرق ملأ نصف عينيها عن بعد، فأحبهما. وهناك دائما أزرق كبير غمر جلدهما، قبل أن يجمد في عدسة الكاميرا المشتركة، فلا يذبل الجلد، ولا تشيخ اللحظة «حين كلّ لذائذ الصيف/ مع أفراحها/ تعود إلي/ من كل الجهات/ يمنحني الحب الأبدي»*.
  

السابق
أول راقص باليه فلسطيني يتحدى الأحكام الثقافية
التالي
أحيا الليلة الثانية من مهرجانات جبيل