الأسير: طاب الموت لعيونك يا حلب

إنه يوم جمعة "يوم أسيري بامتياز"، لا فارق إن كان الحدث في صيدا او الشمال او حتى في بيروت، وتحديداً في محلة الطريق الجديدة، الجميع مستعد لملاقاته في أي مكان يختاره، المهم ان يكونوا إلى جانبه، والى جانب سوريا وثوّارها.

الجميع ينتظر قدوم إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ احمد الأسير ليعتلي المنبر ويفرغ كل ما في جعبته، الجمهور متشوق، لا بل متعطش لرؤية الشيخ الذي شغل البلد على مدار شهر تقريباً، حتى تخال انّ من ينتظرونه يخالون أنه "سيأتي على حصان ابيض وبيده سيف يلمع كرصاص الثوّار في سوريا".

منذ ساعات الفجر الاولى قُطعت كل الطرق المؤدية إلى جامع الامام علي بن ابي طالب في الطريق الجديدة، الجميع متهيب للقاء الأسير، احد الذين يشرفون على فرش الحُصر يقول: "اخيراً سيلبّي الشيخ دعوتنا وسيخطب فينا". ترتسم بسمة صغيرة على محيّا زميله، "هذه الطريق الجديدة يا اخي". الناس هنا من كل الاجناس الحزبية، حضور لافت لشبّان كانوا حتى الامس يهتفون في مهرجانات تيار "المستقبل"، لكن يردّ احدهم على سؤال: "ما من شيء تبدّل، كلنا يد واحدة لنصرة الشعب السوري".

"الله يحميك يا شيخ، منطقتنا في أمسّ الحاجة هذه الفترة إلى زعيم يتولى شؤونها"… هل نسيتم الرئيس سعد الحريري؟ "لا لا، أبداً"، تجيب إحداهنّ، مضيفة: "الحريري في قلوبنا وعيوننا، لكننا عاتبون عليه بعض الشيء. وكما يقول المثل: العتب على قَدّ المحبّه، ليتهم يَتّحِدون ويضعون ايديهم في أيدي بعضهم البعض لِما فيه مصلحة السنّة في لبنان، أنظر إلى الجمهور الشيعي في المقلب الآخر كيف أنهم موحدون خلف زعمائهم، ماذا ينقصنا نحن لنكون مثلهم وربما افضل؟".

قد يعتقد البعض أن الطريق الجديدة في خطر، وهي على طريق إضاعة هويتها الحريرية، خصوصاً انّ لغياب الحريري عن الساحة مفعولا سلبيا في مكان ما، لكن على رغم هذا البعد والتقليل من المساعدات المعنوية والمادية التي كانت تصلهم منه إلّا انّ للطريق الجديدة شبابا يُعرفون عند الشدائد، الكلام لـ "أبو عمر اللادقي" الذي يؤكد "أنّ مجيء الأسير إلى هذه المنطقة ما كان ليتم لولا موافقتنا، وما قيل إن دار الفتوى منعته عن الكلام غير صحيح ولا يمتّ للحقيقة بصلة. فقد ظنّ من هم في هذه الدار انّ قدوم الأسير من شأنه ان يسحب السجادة من تحت أرجل سعد الحريري، والايام سوف تثبت انّ الاسير سيصبح هو الآخر إلى جانب "بيت" الحريري".

هي اللحظة التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، حضر الأسير بمَن معه من مواكبة، رجال فاق عددهم الـ 20 شخصاً أحاطوا به من كل الجهات، فهم مستعدون لأن يفدوه بحياتهم في حال تطلّب الامر، هنا احد المتكئين على عكازه يصرخ بأعلى صوته وبلهجته السورية: "الله يحميك يا شيخي، الله يعزّك ويمِدّ بعمرك".

نسوة ينثرنّ الأرُز من الشرفات وكأنهنّ في لحظة زفاف، في هذه اللحظة تبدّلت الهتافات من "الله، حريري، طريق الجديدة"، بهتاف آخر هو: "الله، الأسير، السنّة وبس". الجموع السورية بنسائها وشبابها وحتى اطفالها حاضرة هي الاخرى في المكان، تتفاعل بنحو واضح ولافت عند كل مرّة يأتي فيها الاسير على ذكر حلب.

أيضاً، وبعيداً عن التكهنات، يمكن الجزم ان عددا ضئيلا من الثوار السوريين كانوا أيضاً حاضرين في المكان، ثلاثة منهم لديهم إصابات في الأرجل والأيدي، فالاقتراب منهم سهل جداً والتحدث معهم هو أمر اكثر سهولة، يتمّ الاتفاق معهم على موعد مع شرط وحيد هو انتظار مكالمة هاتفية منهم.

من جانب الثوار الى جانب الأسير الذي أسَرَ المكان بحضوره، والذي وجه سهامه باتجاهات عدة لم يوفّر فيها الرئيس السوري بشار الاسد ولا حتى حلفاءه من اللبنانيين، رجل لا يعرف المهادنة همّه الاوحد "وضع السلاح المتفلّت في يد الدولة وحدها"، يريد ان ينتصر "للسّنة وللحق في سوريا"، ويتمنى لو انه موجود بينهم في هذا اللحظات، ويغيظه ان يرى "كيف تحوّل وهج السلاح الذي واجه العدو الإسرائيلي ذات يوم إلى آلة ضغط في الداخل اللبناني بهدف تحقيق مزيد من المكتسبات، ومع هذا يتمنى ألّا يسقط إلّا شهيداً على أيّ أرض تقاوم المتكبرين وتنصر المجاهدين".

يعلم الأسير انّ خطابه صدر من عرين تيار "المستقبل"، لكنه يؤكد في حديث لـ"الجمهورية" أن ما أراده في الامس هو "توجيه مجموعة من الرسائل، الاولى هي الى العالم الذي يقف متفرجاً على المذابح التي يرتكبها بشار الاسد بحق العزّل، وهذا يعني انها رسالة تأييد ودعم ومناصرة لأهلنا في الطائفة السنية المستهدفة في سوريا"، اما الرسالة الثانية كما يقول الاسير، فهي "للمشروع الإيراني الذي خدعنا لسنين طوال، وفي الامس أحببت أن أعرّيه وأفضح زيفه بدليل المجازر الذي يرتكبها هذا الإيراني في سوريا".

ويكمل حديثه: "أحببت أن أشدّد على انّ هيمنة السلاح في لبنان لم تعد تجدي نفعاً، وأحب أن اقول هنا إننا نترك لرئيس الحكومة الوقت لكي يحلّ مسألة السلاح، وإذا لم يتمكن من فعل شيء فسوف نصعّد بشكل غير مسبوق. "حزب الله" قطع وعداً لرئيس الحكومة للبحث في موضوع السلاح، فإذا نكثوا عهدهم سيكون لنا كلام آخر".

وعن سبب اختياره لمنطقة الطريق الجديدة تحديداً، أجاب: "لقد قلتُ مراراً وتكراراً إنّ أي منطقة يدعوني اهلها لكي أقف إلى جانبها من اجل نصرة الشعب السوري فلا يمكنني إلّا ان ألبّي النداء، وهذا ما فعلته في كل من سعدنايل والبقاع وطرابلس، واهالي طريق الجديدة منذ فترة طويلة يطلبون مني الحضور إلى هنا، وبعد ان فككنا الاعتصام في صيدا أصبح في الإمكان تلبية النداء، وهناك اطراف عدة من هذه المنطقة تتواصل معي، بما فيهم انصار تيار "المستقبل"، وبغضّ النظر عن هذه الامور فإنّ ما يهمني فعلاً هو ان نتكاتف سوياً من اجل مواجهة المشروع الفارسي ـ السوري".

يُنهي الاسير حديثه، لكنه بالتأكيد لم يقل كلّ ما عنده في هذه الخطبة، وما كان لافتاً أثناء توديع الجماهير له هي الوعود التي اطلقوها والتي تؤكد على "اللحاق به في أيّ مكان على هذه الارض من اجل دعم سنّة سوريا والعراق أيضاً". وعود تحمل في طيّاتها كثيراً من المعاني، لكن التفسير واحد هو "أنّ في سوريا مظلومين، وعلى زعماء الطوائف والمذاهب في لبنان أن يعووا ذلك وإلّا سوف نستيقظ ذات يوم على ضاحية جنوبية تشبه اللاذقية وطريق الجديدة تشبه حلب".

قبل ان يدير الأسير ظهره ويمشي، يلتفت إلى الجماهير الغفيرة، التي أبت إلّا ان توصله حتى موكبه، ويقول: "طاب الموت لعيونك يا حلب".  

السابق
ما دام نفوذ المحور السوري – الإيراني مؤثّراً حكومة ميقاتي باقية
التالي
طهران بين حدين