في الخطاب..

لا يسلم منطق المقاومين والممانعين المجلّين راهناً في إبراز سطوة ممانعتهم وقوّتهم وجبروتهم في سوريا وعلى شعبها، من دون تحفيز مقوّمات التخوين ضد الآخرين وإطلاق الاتهامات الدّارة للاستنفار والتعبئة والهيجان، وإظهار الإرادات القادرة من موقعها "النضالي" و"الجهادي" الأعلى بضرورته وأثقاله وأحماله من مواقع الأغيار، على إصدار أحكامها بحق هؤلاء وتعليق المشانق الأدبية لهم، وإعدامهم معنوياً وسياسياً وصولاً الى ما هو أبعد، إذا أمكن؟!

ذلك أن خطاب القطع والنتع والصدّ والردّ هو مكوّن أساسي من مكوّنات الشخصية الممانعة والمقاومة في أحدث طبعاتها وأكثرها شيوعاً وانتشاراً وانتشاءً! حيث لا يستقيم الكلام عن إنجازات إلهية بصوت خفيض. ولا يستقيم الردّ على التوعّد بإفشال مخططات الصهاينة والأميركيين وأتباعهم في منطقتنا بلغة هادئة متواضعة مصحوبة بموسيقى تصويرية خلاّبة وفضفاضة. ولا يركب إعلان الذود عن "أمتنا" من دون صرير وهدير وصفير ودربكة، ولا الكشف عن مؤامرات "الأعداء" بلغة شفوية غير مصحوبة بلغة جسدية ترتفع فيها الأيدي نحو السماء وتتراقص الأصابع على نغمة الصوت.. ولا يمشي حال الخطاب من أوله الى آخره، ومن شكله الى مضمونه، إذا ضمرت فيه التعبئة المستدامة، وإذا لم يكن "موضوعه" الفعلي هو عدو مُبين موجود دائماً في نقطة ما مواجهة بغضّ النظر عن هويته وعن مكانه وعن "طبيعته"، وما إذا كانت هذه صافية من عرق واحد أو هجينة مركّبة من أعراق عدّة!!

.. كل تلك العدّة اللغوية الاستنفارية هي جزء متمم لا تركب آلة المقاتلة والمقاومة والممانعة، ولا مجال لأن تمشي فشخة واحدة الى الأمام من دونها، وإلاّ انخفضت رتبة سموّها وانكسر علوّ كعبها عند عموم أهلها وخفّ منسوب الهيبة البطّاشة عند جمهورها وأنصارها، وتراجع الصدى الترهيبي لها عند أعدائها، وأُنتجت في المحصّلة صورة ذهنية فيها خضرة وماء لا تتناسب مع الميدان واليباس والقحط والبارود والنار والحديد والصواريخ والقتال في جملته، حيث أن الدار دار حرب وبعض الناس في الأساس لا يرعوي، بل هو مشغول عنها بالرقص والفرفشة والغناء وما شابه! فكيف الحال إذا تُرك الموّال على غاربه من دون سؤال! وكيف "للأمّة" أن تخرج الى مقارعة أعدائها إذا بقيت الخزامى والياسمين والورد الجوري والعنبر الفوّاح مدعاة لإلهاء أهل البأس والمصارعة والمناتعة، عن تلك المقارعة؟

.. وليس يا إخوان، لخطاب القطع والنتع والصدّ والردّ ذاك، وظيفة تعبوية استنفارية فقط، بل هو في معظم الحالات والنيّات والغايات، استدرار لنزاع أهلي دائم ومفتوح لا يركب المشروع الإمبراطوري في غيابه ومن دونه! ولا تركب جهود السيطرة وبناء النفوذ وتجميع الأوراق والسلطات من دون حججه وتبريراته! ولا مكان لمنصّته إذا بقيت جغرافيته واحدة وإذا بقي اجتماعه متماسكاً ودولته شغّالة في أبرز وظائفها.. لذلك ولغيره ما هو أكثر منه، وَجُبَ خطاب التخوين، على بؤسه ويأسه ومأزقه.. ووَجبَ في المقابل الدقّ على الصدور والصراخ بأعلى الصوت: يا الله!

 

السابق
داود أوغلو وبارزاني يبحثان في مستقبل سورية بعد الأسد
التالي
النتائج بواسطة رسائل نصية SMS