لماذا أُدخِل الإعلام السوري في دائرة الاستهداف الإرهابي؟

منذ ان فشلت الخطة الاساس ثم الخطط البديلة التي اعتمدت لاسقاط سورية كياناً وموقعاً، اعتمد المخطط الغربي على الارهاب والإعلام طريقاً لمواصلة حربه الكونية تلك، فكان اللجوء الى الإعلام بشكل خاص من اجل المحافظة على زخم الهجوم العدواني، متحركاً في ذلك على خطين متوازيين:
خط فتنوي تزويري يتخذ من الإعلام المسيطر عليه اداة تحريض وتعمية للحقائق، مع التفلت من الضوابط الموضوعية ومن قواعد القانون والاخلاق، ويعمل من اجل احباط السوريين ودفعهم للتحرك ضد دولتهم بما يخدم خطة العدوان، فيصور الواقع خلافاً لحقيقته، لان الحقيقة ليست في صالحه.
خط قمعي اقصائي يتمثل بخنق إعلام الخصم – السوري وحلفائه – ومنعه من نقل الحقائق للشعب حتى يسهل اسقاط مناعته ويمنع تحصينه امام العدوان الإعلامي المعادي.

و مع هذه الثنائية نتذكر ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون حول المعرفة والاتصال، ونتوقف عند ما تضمنته من توصيات وتوجيهات تناولت الإعلام الذي تركز عليه في ارساء الحكومة الخفية والسلطة العالمية التي ابتدعتها الصهيونية تلك. وقد اكدت تلك البروتوكولات على وجوب سيطرة اليهود على الإعلام بشكل عام ومحكم وامتلاك وسائله وحجبها عن الخصوم من اجل السيطرة على الرأي العام، ومن ثم تهيئة البيئة التي تتقبل ما يبثون دون نقاش حتى ولو كان في قولهم تزييف وكذب وقلب الباطل الى حق وجعل الحق باطلاً. توصيات لم تبق دفينة في الكتب الصهيونية بل جاء تطبيقها واضحاً على الصعيد العالمي وبشكل منهجي تكاملي والكل يذكر كيف ان الصهيونية بفروعها المختلفة سيطرت ولا تزال على وسائل الإعلام العالمية.
ثم انه وانطلاقاً من هذا الفهم وعملاً بتوصيات حكماء صهيون، وفي اطار الحرب على المقاومة التي حررت ارضاً لبنانية في الجنوب، وانتقاماً لهزيمة «اسرائيل» وبغية حجب صوت المقاومة تلك، اقدمت اميركا منذ ما يقارب العقد من الزمن على وضع قناة

المنار اللبنانية – قناة المقاومة الاسلامية التي يديرها حزب الله – وضعها على لائحة الارهاب الاميركية ومنعت من التقاطها على اراضيها تحت طائلة التجريم والملاحقة. ثم حذت أوروبا بعد ذلك حذوها باتخاذ قرارات حذفت قناة المنار من لائحة المشتركين المستفيدين من خدمات الاقمار الاصطناعية الاوروبية. ولما انطلقت «اسرائيل» في عدوان تموز 2006 على لبنان ومقاومته، سارعت ومنذ الايام الاولى للحرب الى تدمير مباني قناة المنار، واذاعة النور، بقصد اسكاتهما ومنعهما من نقل مجريات الحرب ولقطع اتصال المقاومة بجمهورها وبالمعنيين بسير عملياتها الدفاعية يومذاك. عمل جاء كما نراه تطبيقا حرفياً لبروتوكولات حكماء صهيون القاضية بحرمان الخصم من وسائل التعبير والإعلام، وشكل استكمالاً لما بدأه الغرب في حربه على الإعلام المقاوم.

والآن وفي سياق الحرب العدوانية على سورية يتكرر المشهد وتستعاد السلوكيات ذاتها، حيث نجد ان الجامعة العربية المحكومة بالقرار الاميركو-صهيوني الذي يمثله حكام النفط الخليجيون، قررت ومن غير سابق انذار ومنذ شهر تقريباً، قررت الطلب الى الاقمار الاصطناعية العربية حذف الفضائيات السورية الرسمية والاهلية، من لائحة مشتركيها. وعندما تأخرت ادارات تلك الاقمار عن تنفيذ الطلب لاعتبارات قانونية ومالية، وتأخرت في الاستجابة السريعة لطلب غير شرعي وغير اخلاقي، بدأت خلايا الارهاب المسلح العاملة على الارض، في سياق الحرب التدميرية الكونية على سورية، بدأت بالتنفيذ على طريقتها، فقامت مجموعات مسلحة تنتمي الى ما يسمى «جيش الارهاب السوري الحر» بتدمير احدى الفضائيات السورية ( الاخبارية السورية ) بغية جعل الفضاء السوري اسيراً للإعلام التحريضي والملفق الذي تقوده فضائيات خليج النفط، التي تحولت مع بدء العدوان على سورية سلاحاً اساسيا في المعركة يتقدم كل الاسلحة.

لقد جاء التدمير الإرهابي ذاك ليؤشر الى ان قيادة العدو مهتمة بمفاعيل الإعلام الوطني السوري الذي – كما يبدو – فضح خططها وكشف كذبها ومنعها من اسر الرأي العام السوري، وتالياً العربي والاجنبي، وابقى الحقائق في سورية بمتناول المعنيين بيسر وسهولة، فاخفقت بذلك عمليات التزوير والتلفيق التي اعتمدتها المؤامرة سلاحاً. ويكون هذا الإعلام الوطني السوري سجل انتصاراً على الجبهة التي يعمل عليها. انتصار استدعى معاقبته من قبل المعتدي بتدمير احدى فضائياته.
وحيال هذا العمل الاجرامي الارهابي قد لا يكون مجدياً تذكير المعتدين على الإعلام السوري بالتدمير، والمستهدفين المجتمع السوري بنشر الفتنة والتحريض، قد لا يكون مجدياً تذكيرهم بشرعة حقوق الانسان وشرعة حقوق المواطن، كما وبكل المبادئ التي تتضمنها الدساتير المعتمدة في النظم الديمقراطية، التي اكدت على حرية الرأي والتعبير عنه، وتاليا حرية الإعلام المضمونة للجميع انطلاقاً من قاعدة اساس هي ان حرية الانسان العملية تبدأ بحرية الرأي والكلمة. وللمرء ان يعبر عن رأيه بالطريقة التي يختار وان يقول ما يشاء، وان ينشر ما يريد وان يستمع الى ما يرغب… نعم قد لا يكون مجدياً تذكير المخطط والمنفذ للعدوان على سورية بكل القيم والقواعد تلك لانه في الاصل خرج عليها منذ ان قرر شن عدوانه. لكن لا بد من طرح السؤال على الهيئات والمنظمات الدولية والانسانية ومقامات الرأي والفكر وكل من يعمل تحت عنوان الحرية وحقوق الانسان، اين مواقفها مما يحصل؟ وهل ستسكت كما سكتت يوم سعت اميركا واوروبا الى خنق الإعلام المقاوم في لبنان وفلسطين ؟ ودون شك سيكون في سكوتها ادانة لها واجهاضاً لاي مصداقية قد تدعيها…. وهل يكون صادقاً في طلب الحرية من يمنع او يقبل بمنع الآخر من حرية التعبير؟ او من يسكت على معتد على هذه الحرية  

اننا نرى في مجرد الاعتداء غير المشروع على الإعلام اقراراً من المعتدي بانه يخشاه لانه لا يطلب حقاً، كما نرى في مجرد التزوير والتلفيق اعترافاً من قبل المزور بان الحق والحقيقة يخالفان ما يريد او ما يطلب. لان من وثق بحقه، لا يخشى الكلمة ولا يخاف من الحقيقة.
نقول هذا مع التمسك بحذرنا من اساءة الإعلام استعمال حقه. ورغم ان الامر غير مطروح في الموضوع المبحوث فيه في سورية، الا اننا نرانا مضطرين للاستدراك والايضاح بان بعضا من الإعلام يسيء استعمال الحق في التعبير، كما هو حال فضائيات الفتنة والتحريض الخليجي حالياً.

اضافة الى ان البعض لا يحترم حدود الحرية في وطنه، لان لحرية الإعلام ايضاً حدوداً، وهي حدود ترسمها قواعد النظام العام والآداب العامة، إذ إننا في الوقت الذي نرى ان خنق الكلمة عدوانا على حق التعبير كما يمارس المعتدي على سورية الآن، فاننا نرى ايضاً في انفلات الإعلام بعيداً من الموضوعية، افساداً للبيئة الامنية وخرقاً لحق آخر من حقوق الانسان هو الحق بمعرفة الحقيقة، معطوفا على الحق بالامن والامان اللذين قد يفسدهما إعلام تحريضي او فتنوي. وهنا يكون التحدي الكبير قائما في وجوب الموازنة بين حفظ الحرية من جهة، وعدم جعلها اداة اساءة وتخريب من جهة اخرى. فالإعلام الذي يجب ان يحتمي بالقانون عليه هو اصلاً ان لا يخرق القانون كما نشهد في لبنان في الآونة الاخيرة من ممارسات لدى البعض، ممارسات تستدعي تدخل السلطة لضبطها، ولكن للأسف نرى ان السلطة ايضاً غائبة عن المسرح، كما يغيب المجتمع الدولي وهيئاته عن التصدي للعدوان الإعلامي على سورية.  

السابق
أمر عمليات أميركي_إسرائيلي
التالي
العلة والسبب