سلاح الأجندات السياسية وسلام الاستراتيجية الأمنية

لا حدود للأخطار التي فرضت موسم الحديث عن هيبة الدولة ورسم خط أحمر للتجرؤ عليها. ولا مهرب من تصحيح الأداء في الشهر الأمني بعد البداية المتعثرة له. لكن الواقعية تقضي بأن نرى الواقع لنعمل على تجاوزه، وهو ان الشرط الأول لهيبة الدولة أن تكون لنا دولة. فنحن أسرى سلطة أكلت الدولة ومنعت بناء مشروعها من جديد، وتقاسمتها زعامات أقوى منها، وتحدّتها في الشارع قوى أجبرتها على سياسة الاسترضاء. والبلد يفتقد الأمان الوطني والأمن السياسي بالمعنى الاستراتيجي، بحيث صار الرهان على الأمن التقني هو السلاح الوحيد.

ومن الصعب على السلطة أن تستعيد هيبة لم تكن لها كما يجب أصلاً، ولم تمتنع عن التفريط في ما بقي منها. فلا هي طبّقت حكم القانون إلاّ على الضعفاء. ولا بين أركانها من لم تأخذه المصالح الضيّقة الى استرضاء المرتكبين على حساب الموقع الرسمي.

حتى اللامألوف صار المألوف. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبرر التساهل الأمني بما سمّاه الحرص على تجنّب الأسوأ كأن السيئ قدر. ووزير الداخلية مروان شربل يقول: لا مزاح في بيروت بعد اليوم، في اعتراف بالوضع الشاذ قبل اليوم على أمل أن نرى العمل الجاد. والظاهر أن الكيل طفح مع الرئيس ميشال سليمان ليقول بصراحة إن المستغرب هو أن يسترضي المسؤولون الشارع والمرتكبين والذين يطلقون النار على الجيش، ويشكو من الحماية السياسية للمرتكبين.

والكل يعرف ما في الواقع، والبعض مساهم فيه وله حصة في كعكة المسلحين. فليس في لبنان سلاح خارج الارتباط بسياسة وأجندة. ولا مسلحون يعملون لحسابهم الا في النادر. واذا كان من المهم أن يعطي مجلس الوزراء الغطاء السياسي للقوى الأمنية، فإن الأهم هو أن يكون رفع الغطاء السياسي عن المخلّين بالأمن حقيقياً. والأكثر أهمية هو السؤال عمن يعطي الغطاء الداخلي والخارجي للسياسيين الذين يغطون بدورهم المسلحين، وما اذا كان الغطاء هو القاعدة ورفعه هو الاستثناء.

ذلك أن المشكلة تبدأ من التسليم بكون الغطاء السياسي للمسلحين حقاً للسياسيين، ولا تنتهي بما يفعله المسلحون وتتصرف السلطة كأنه ممارسة لأعمال حرب مفتوحة وليس جريمة لها عقاب. فالسلاح في حد ذاته، ولو من دون استعماله، أداة إضعاف للسلطة وسخرية بها وحاجز إضافي على الطريق لبناء مشروع الدولة. ولا مخرج من هذا المأزق من دون استراتيجية أمنية ممكنة ولها الأولوية ما دام الحوار متعثراً حول الاستراتيجية الدفاعية.

السابق
الحريري: الفلتان في بيروت يغطّيه السلاح
التالي
الأسير: بري يسيطر على مؤسسات الدولة ونصرالله “يعنتر” علينا