حزب الله الى تبديلات في قيادته

منذ اشتعال الثورة السورية، لم تحمل الأيام لـ«حزب الله» أيّ تطوّر إيجابي يزيح عن كاهله عبء الإخفاقات التي أوصل نفسه وجمهوره إليها، بحيث أصبح وضع الحزب اليوم أشبه بثائر من دون قضية أو منظمة منقسمة بين مكانتها الوطنية، وهويتها كحركة للمقاومة أضحت مشوّشة بسبب الظروف والتطورات الأخيرة على الساحة العربية.

أزمة حقيقية تعصف هذه الفترة داخل قيادة "حزب الله" السياسية نتيجة دعمها اللامتناهي للرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الثوار، وهي جعلت الحزب يبدو وكأنه المتضرر الأكبر من التحولات التي أعقبت هذه الثورة، خصوصاً بعد فوز الأخوان المسلمين في الانتخابات المصرية، والذي سيكون له ارتدادات واسعة داخل الشارع الدمشقي ستتبيّن نتائجه خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتقول مصادر سياسية إن "مشكلة "حزب الله" تكمن في أنه بين معادلتين متقابلتين: معادلة المرحلة التي يبدو أنها بدأت تلفظ أنفاسها شيئاً فشيئاً، وهي كانت تتميز بتحالف ثابت استراتيجي مع إيران وسوريا ومحورية مفهوم المقاومة وتوسيع أفقها ليشمل الشعوب المضطهدة في كل الأصقاع. وبين المرحلة الحالية التي تتميز بتحولات إقليمية ومحلية تعطي الأولوية للاعتبارات الداخلية وللسلام المنتظر في المنطقة، ومن المرجّح أن تستكمل فيها الدولة اللبنانية أدواتها السياسية والعسكرية لبسط سيطرتها الكاملة على أراضيها كافة، وهذا ما بدأ يظهر من خلال دعوة الحزب الدولة إلى دخول أهم معاقله، الضاحية الجنوبية".

وتكشف المصادر عن "تبديلات جذرية ستشهدها قيادة "حزب الله" السياسية خلال الفترة القريبة، هدفها إعادة تفاعل الحزب وتواصله مع محيطه العربي والذي فقده خلال العام الماضي، وهي تعتبر أن نواب الحزب الثلاثة نواف الموسوي وعلي فياض وحسن فضل الله سيكون لهم الدور الأبرز في محاولة استعادة البريق الذي فقده "حزب الله" منذ بدء الحراك في سوريا".

وتشير إلى أنّ نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم "بدأ منذ الآن يعدّ العدة مع مجموعة كبيرة من الكوادر السياسية للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، وهو سيدير هذا الملف شخصياً في كل المناطق التي يعتمد الحزب مرشحين فيها، وهذه المجموعة سيكون لها أكثر من محطة عربية للوقوف عند آراء قياداتها بالعملية الإصلاحية داخل الحزب".

وفي السياق نفسه، تؤكد المصادر أن هناك نيّة لـ"حزب الله" بإرسال وفد إلى مصر للتهنئة بفوز محمد مرسي بالرئاسة المصرية، "وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على أنّ سياسة الحزب المقبلة سيكون عنوانها الأبرز التماشي مع الحركات الإسلامية التي بدأت تظهر وتأخذ دوراً أساسياً على الساحة العربية، وهذه الخطوة تأتي بعد دراسات مكثفة أجرَتها قياداته في لبنان وإيران عنوانها "طريقة التعاطي مع البحر الإسلامي السنّي في المرحلة المقبلة". وتجزم بأنّ "هذه المرحلة المرتقبة لن يكون للرئيس الأسد مكان فيها، ويرافقها تبدّل ملحوظ في الموقفين الإيراني السياسي والديني".

وتشير المصادر نفسها إلى أنّ "هذه المستجدات تترافق مع ضغوط خارجية تدفع إلى تحوّل الحزب للعمل السياسي والمدني ونزع سلاحه وإنهاء عسكرته بعدما أثبت عدم جدواه منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وبعدما تحوّل هذا السلاح الى هاجس يهدد البلد والى سبب أساسي لتنامي الأسلحة المنتشرة في كل بيت وشارع".

وتلفت المصادر إلى أنّ "السلاح نفسه أصبح مشكلة مستعصية داخل بيئة الحزب، بعدما كثرت أعمال السرقة والقتل وتجارة المخدرات حتى داخل بنيته السياسية والعسكرية".

وتختم هذه المصادر بالقول: "لقد تعرض "حزب الله" خلال العام الفائت إلى مجموعة انتكاسات بدأت مع تفشّي ظاهرة المخدرات والسرقات والاعتداء على كرامات الناس، حتى وصلت الموس إلى ذقن الحزب نفسه من خلال تهجّم مجموعة شباب عاطل عن العمل ممّا يُعرف بـ"الشبيحة"، على بعض قيادييه في الضاحية الجنوبية، وصولاً إلى كشف العديد من العملاء داخل صفوفه، علماً أن هذا الموضوع لم يقفل حتى اليوم، إذ إنّ هناك المزيد من المتورطين في هذا الملف.

فكل هذه الأمور جعلت من الحزب أشبه بمركب تائه من دون ربّان تتخبطه الأمواج في عرض البحر، والخروج من هذا المأزق لن يكون إلا عبر حماية طائفته من المشاريع الإقليمية والاعتراف بنهائية الكيان اللبناني".  

السابق
الإنتقام العادل للتاريخ أم الأعمى؟
التالي
سيولة ضخمة