التخلّي عن الأوهام والأحلام

الذي يستمع إلى الرئيس بشار الأسد كما تحدث قبل يومين لا يشعر انه هو الذي يحكم بل إن كلماته مثل الكلمات المتقاطعة التي لا رابط بينها، أو أن الرابط سري ويحتاج إلى مفتاح لفظي أو آلي مثل الانترنت الذي يتطلب كشف الرابط أو المدخل. قال الرجل اشياء عن الحرب على نظامه من الخارج، وقال أيضاً انه لا هو ولا جيشه مسؤولان عن المذابح، والذي يخطئ من الجيش يكون مسؤولاً شخصياً وليس المؤسسة! وقال أخيراً إن هذا النهج (أي نهج العنف والدم) هو نهج وطني لمكافحة الإرهاب، وأنه سوف يستمر. وقوبل هذا الكلام كلّه كالعادة بالقول إن الرجل في حالة إنكار، وأنه يتجاهل الوقائع، وأنه لا بد من إرغامه على اتباع خطة كوفي أنان أو تذهب سوريا باتجاه الحرب الأهلية. والواقع انه بالنسبة للأسد، فإن الرجل يقول إنه ليس مسؤولاً بل المسؤول عن الاعمال العنيفة هو من يقوم بها، يعني أنه لا يقوم بأي عمل عنيف! وإنما الذي يقوم بالأعمال العنيفة هو الفريق المكوّن من قادة المؤسسة العسكرية وقادة المؤسسات الأمنية، وهؤلاء متواصلون مباشرة مع الروس ومع الإيرانيين ومع جماعة المالكي بالعراق وحزب الله بلبنان. وبشار – باعتباره رئيس الدولة والنظام – يظل الواجهة للتحرك الدبلوماسي المتضائل، وللتسلي بمقابلة الوفود وإرسال التهديدات.

إن هذا لا يعني أن الأسد بريء أو لا يريد الحل الأمني (الذي ما عاد حلاً منذ زمن طويل)، بل هذا يعني انه منذ عدّة أشهر، بل وربما منذ حوالى العام، فإن جهازاً للتنسيق بين روسيا وإيران والأعوان بالعراق ولبنان قد نشأ وهو يدير بالمباشر المعركة ضد الشعب السوري، والدبلوماسيات التي تضاءلت على أي حال، والتي لا يزال للأسد دور فيها. وهذا سبب قلة ظهور الأسد، وعدم جدوى ظهوره ووعوده أو لا وعوده! أما النخبة العسكرية والأمنية والتي تتولى القمع والمذابح بالداخل فقد استولت عليها النزعة الانتحارية، وهي تشعر أن مصيرها محتم ولا مخرج لها. لكن صمودها ليس سببه يأسها، بل يأسُها هو سبب تماسكها. في حين ان الصمود علته أن القرار ما عاد بيدها وإنما بيد الروس والإيرانيين وأعوانهما من العراقيين والسوريين والذين يملكون ملفات أخرى يتفاوضون عليها، ثم يرمون الأسد ونظامه إن حصلت صفقة، أو شعروا أن ضرر بقاء الأسد ونظامه اكبر من نفعه لهم. فالروس لديهم قضاياهم مع الأميركيين والأوروبيين. والإيرانيون لديهم قضاياهم مع الطرفين أيضاً. بيد ان التكلفة الكبرى والأعباء ستكون من نصيب المالكي وحسن نصر الله. فالروس يقدمون السلاح والدعم السياسي، والايرانيون يقدمون السلاح والمال. إنما لو غيّر الروس أو الإيرانيون من موقفهم نتيجة صفقة أو عجز، فإن التداعيات لن تنتهي بالنسبة للمالكي ونصرالله. إذ لديهما صعوبات داخلية كبيرة بالعراق ولبنان، وقد بدأت تداعياتها وآثارها قبل سنوات، وتستمر على مدى السنوات المقبلة، وإلا فما معنى سقوط ضحايا من شيعة لبنان بالعراق، وخطف شيعة بسوريا، والثورات على المالكي من سائر الأطراف من بغداد وإلى البصرة وكردستان!.

لقد كان موقع سوريا مركزياً في المحور الإيراني. وعندما قام الشعب السوري بثورته انتشر التأزم في سائر أجزاء المحور. ومنذ مُـدّة، صار نظام الأسد عالة وعبئاً وفقد وظائفه، وقيمته كورقة تنخفض كل يوم في الوقت الذي تتجه فيه النخبة الحاكمة بالأسد وبدونه إلى المذابح لتقصير عمرها وفي ظنها أنها تُطوّله! وكما سبق القول، فإن الروس والإيرانيين هم الذين يقررون متى يكفّون عن الدعم، ومتى يطلبون من العسكريين والأمنيين المتعاونين معهم من السوريين، أن يلجأوا إلى روسيا وإيران، وقد لا تجد سائر الأطراف أنه من مصلحتها استمرار قناع الأسد في الشهور المقبلة، أو اخذه معها في ما بعد إلى المنفى! لقد تحول الأسد إلى قناع وهمي بقرار من أعوانه وأقاربه وحلفائه، وعلى العرب والدوليين الانصراف عن الأوهام والأحلام فيما يستطيع الأسد فعله أو لا يستطيعه!.  

السابق
السلطة وجبة مثالية في العمل
التالي
جنبلاط والحكومة المحايدة