المجلس أمام بهدلتين… 

بدأت تتضح، أكثر فأكثر، استحالة التوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية المقبلة سنة 2013. فالأقلية النيابية مرتاحة إلى قانون عام 2008، المستنسخ عن قانون عام 1960، ومعها في ذلك وليد جنبلاط، ما يجعل الأكثرية الحكومية الحالية، أقلية نيابية عند طرح أي مشروع قانون جديد. هكذا إذا قُدّر لحكومة ميقاتي أن تتبنّى صيغة ما في مجلس الوزراء، رغم اعتراض وزراء جنبلاط، فإن نوابه قادرون على الرد في مجلس النواب، عبر إسقاط تلك الصيغة بالوقوف إلى جانب الفريق الحريري. شيء مماثل لمأزق مرسوم الـ8900 مليار الذي أقرّ في الحكومة، وأدى تخلّي جنبلاط عن فكرته، مسايرة للسنيورة، إلى عدم إقراره في ساحة النجمة.

مع أن بعض مسيحيي الأكثرية الحكومية كان يراهن على مشهد آخر، عنوانه التوافق تحت سقف بكركي على مشروع النسبية، بحيث يتعهّد مسيحيّو الحكومة إمراره فيها، على أن يتعهد مسيحيّو الحريري بالتصويت له في مجلس النواب، علماً بأن أصوات هؤلاء النيابية قادرة على تعويض أصوات جنبلاط المنشقة لحظتها، فتصبح الصورة متقاطعة: مشروع لقانون الانتخابات تقدمه الحكومة، ولا يدعمه بعضها في مجلس النواب، فيما قسم من نواب المعارضة يؤيّده ويقدم النصاب اللازم لإقراره. وكان رهان مسيحيي الحكومة على حشر مسيحيي المعارضة: إما أن يمشوا بالنسبية، فيوجهوا صفعة إلى فريق الحريري، وإما أن يرفضوها، فيظهروا كأنهم تابعون لأمر الحريري ومصلحته، فتتكرر عملية ضرب صدقيتهم في الشارع المسيحي، تماماً كما حصل مع هؤلاء أنفسهم سنة 2005، يوم سكتوا عن استمرار قانون غازي كنعان. غير أن سوء إدارة عملية التفاوض في بكركي بشأن قانون الانتخابات، سمح لمسيحيي الأقلية بالتفلّت، إذ استدرجوا خصومهم إلى مزايدة مكشوفة عبر طرح قانون اللقاء الأرثوذكسي، ما أدى إلى تصويرهم كأنهم يطلقون النار على مشروع النسبية من موقع أعلى منها مسيحياً، لا أدنى.

المهم أن الجميع بات يتجه نحو أمر واقع اسمه بقاء قانون عام 2008. غير أن ذلك لا يعفي مجلس النواب، بمختلف كتله، من مواجهة استحقاق تشريعي آخر. إنه الاستحقاق المرتبط بعملية اقتراع اللبنانيين في الخارج. ذلك أن الإدارة اللبنانية التي يعرفها اللبنانيون جيداً، إضافة إلى تعقيدات تلك العملية ميدانياً ونفسياً، فضلاً طبعاً، وخصوصاً، عن تأثيرات اقتراع اللبنانيين في الخارج على نتائج الانتخابات بشكل مجهول كلياً وغير قادر على الضبط أو التوقع، ومن دون إسقاط عوامل خوف مجموعات لبنانية كبيرة خارج لبنان من ضغوط ومخاطر قد تتعرض لها في بلدان إقامتها، في حال اقترعت لمصلحة جهات حزبية لبنانية تصنّفها إدارات تلك الدول أنها إرهابية… هذه العوامل مجتمعة أو حتى منفردة، تسمح بتوقّع تطيير الموضوع مرة أخرى، وإجهاض حلم اقتراع اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية.

غير أن ذلك سيفرض عندها على الحكومة، كما على المجلس النيابي، إجراء تعديل تشريعي على قانون انتخابات عام 2008، على الأقل لجهة تعليق العمل كلياً بالفصل العاشر منه، الذي يحمل عنوان: «في اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية»، وذلك من المادة 104 إلى المادة 114 ضمناً، فضلاً عن ضرورة إجراء تعديل جزئي مماثل على المادتين 3 و81، الأولى لجهة تعليق نصّها القائل بأنه: «لكل لبناني أو لبنانية أكمل السن المحددة في الدستور، سواءً أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، أن يمارس حق الاقتراع». والثانية لجهة تعليق نصها على أنه «تصدر الوزارة استناداً إلى القوائم الانتخابية، لوائح شطب، تعتمد في جميع أقلام الاقتراع على الأراضي اللبنانية وخارجها».
من دون تعديل هذه المواد، تكون العملية الانتخابية سنة 2013 برمتها قابلة للطعن والإبطال من قبل أي مرشح خاسر أمام المجلس الدستوري، إذا ما كان في ذلك المجلس من يجلسون ويفقهون، علماً بأن تعديلها على طريقة التعليق، استثنائياً ولمرة واحدة، قد لا يعفي الانتخاب من الإبطال نفسه. وهو ما سيجعل مجلس النواب، أياً كانت الأكثرية المستعدة لهذا التعديل، أمام تحدّ من نوع الفضيحة، والانكشاف أمام الناس، أن نوابنا قادرون على الاجتماع لتعطيل بعض قانون الانتخاب، لكنهم غير قادرين على اجتماع مماثل، أو حتى في اجتماع التعطيل نفسه، على تعديل يسمح بانتخابات أكثر تمثيلاً وشرعية شعبية وفاعلية ديمقراطية.

أما إذا تأزمت الأمور أكثر، وذهبنا إلى تعطيل الانتخابات بالكامل وتطييرها، عندها سيكون المجلس، وحده أو مع الحكومة، أمام فضيحة طلب التمديد لنفسه، عبر طلب تعديل المادة الأولى من القانون التي تحدد مدة الولاية بالسنوات الأربع، علماً بأن مثل هذا الطلب يمثّل مخالفة دستورية حتى، في اجتهاد واضح لمضمون المادتين 24 و44 من الدستور… عندها تكون «البهدلة» الكبرى.

السابق
جنبلاط يسعى للإمساك بكل الأوراق
التالي
اجتماع حريريّ