عدوّان لسوريا

إما ان هناك شيئاً غير مفهوم في خطة الموفد الدولي العربي كوفي أنان الخاصة بسوريا، وإما ان شعب سوريا ومعه شعوب الأرض من مشرقها الى مغربها لم تعد تعرف القراءة أو الاستيعاب!
الخطّة في مقدّم بنودها تدعو الى وقف النار. ثم تتناسل من تلك الدعوة متمماتها، أي سحب الجيش من المدن والأحياء السكنية والمراقبين وإطلاق المعتقلين السياسيين، وما الى ذلك من بنود يُفترض ان السلطة الأسدية قبلت بها!
غير ان وقف النار العزيز هذا لم يحصل، بل ازدادت الوتيرة في مناطق محدّدة، وبدلاً من الوقوف عند هذا المعطى باعتباره أساس كل تفريع آخر والتصرف في ضوء ذلك، خرج أنان بدعوة السلطة السورية الى عدم "استخدام الأسلحة الثقيلة"! ولاقاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالإعراب عن أمله في "عدم إفشال" عمل المراقبين الدوليين.

كأن العجز عن التحرك للجم الآلة العسكرية والأمنية السورية الفالتة ضد شعب سوريا، كان يحتاج الى غطاء مدموغ بقرار دولي صادر عن مجلس الأمن وتحت عنوان فضفاض وفخم اسمه "خطّة أنان"؟ أو كأن صدقية سلطة الأسد كانت في حاجة الى امتحان إضافي كي يتأكد من لم يتأكد بعد، انها تساوي الصفر؟
أخطر ما في استمرار الحملة العسكرية الأمنية الراهنة، هو انها اليوم صارت تتم تحت خيمة قرار دولي! كانت منذ بدايتها مرصوفة تحت خيمة سلطة الأسد وآلتها الدموية، ثم تحت غطاء دعم روسي ـ إيراني مكشوف ومُعلن ولا يخجل به أصحابه.. الآن ارتفع السقف الى حدود مجنونة ومستحيلة: صارت تتم في ظل قرار دولي بوقف النار؟!

كبيرة مصيبة السوريين، ولم يسبقهم اليها أحد إلاّ الفلسطينيون: القياس الإسرائيلي صار معتمداً عندهم فوق قياس سلطة الأسد.. إسرائيل كانت ولا تزال، الطرف الوحيد في العالم الذي لا يلتزم قرارات مجلس الأمن ولا يعتبرها موجودة أصلاً. السلطة السورية اليوم صارت الطرف الثاني. وإلا ماذا تعني هذه المذبحة المستمرة من حمص الى درعا بعد العاشر من نيسان؟ وكيف يُصار الى التعامل معها وكأنها أمر طبيعي، أو كأن شيئاً في هذه الدنيا لم يتغير أو يتقرر؟!

صحيح في الجملة ما قيل بالتقسيط، وما يُترجم عملياً بالقتل والسحل والنار والحديد والبارود، من أن إسرائيل كانت ولا تزال الدرع الواقية لسلطة دمشق، وكانت ولا تزال تعتبرها مكسباً لا يُقارن ولا يجوز التفريط فيه، تماماً مثلما ان سلطة دمشق كانت الدرع الواقية لإسرائيل من أي عمل مضاد لها من الجولان المحتل!
المشكلة الوحيدة الفعلية في كل تلك الحسبة تكمن في أن شعب سوريا في عالم آخر: يتأكد يوماً بعد يوم انه يقاتل عدوين دفعة واحدة، وانه لم يخطئ الحساب عندما قرّر ذلك، وأنه في نهاية المطاف والليل والسواد، سينتصر في المعركتين لأنهما معركة واحدة، مهما ارتفع وزلزل وزعق صوت ممانعي آخر زمن!
  

السابق
بيضون: جنبلاط قشرة موز
التالي
مجلس وطني