فلسطين على وشك الانفجار… إن لم يكن الآن فمتى؟

لطالما كان النضال الفلسطيني من أجل إقامة الدولة في قلب أكثر النزاعات بين الشرق الأوسط والغرب. لقد تصدّرت أشكال الظلم اللاحقة بالشعب الفلسطيني نتيجة إنشاء دولة إسرائيل، العناوين والاهتمامات في العقود الستّة الأخيرة، وبُذِلت محاولات فاشلة كثيرة لمعالجتها بصورة عادلة ومنصفة. فمن الديبلوماسية الناشطة واللاعنف مروراً بالمفاوضات السرّية والتوغّلات العسكرية الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية المدجّجة بالسلاح وصولاً إلى الإرهاب، حاول المعسكران وحلفاؤهما تسوية المسألة إنما من دون جدوى حتى الآن.
في هذه الأثناء، تحوّلت “فلسطين” قضيّة الجميع تقريباً على مر السنين. فهي تُستخدَم مصدراً للتعبير عن الاستياء من إسرائيل، أو مجرّد ذريعة لبث الكراهية والحقد أو تمرير أجندة مناهضة للغرب. لقد أدّى إنشاء إسرائيل إلى اقتلاع ملايين الفلسطينيين من جذورهم وتشتّتهم في أنحاء العالم. وفي حين استقرّ عدد كبير منهم وأسّسوا حياتهم في زوايا العالم الأربع، لا تزال الغالبية تعاني في مخيّمات اللاجئين تحت رحمة البلدان “المضيفة”. ويتكبّد آخرون الأمرّين بسبب الاحتلال الخانق والحصار الاقتصادي اللذين تفرضهما إسرائيل عليهم. تؤوي مخيّمات اللاجئين جيلاً خامساً من الفلسطينيين المشرّدين في عالم يستمرّ في تضييق الخناق على أعناقهم. وفي الضفة الغربية وغزة، حيث تتكاثر أعداد الفلسطينيين، أرضهم المحتلّة في تقلّص مستمرّ بسبب المستوطنات غير الشرعية، فحتى المحكمة العليا في إسرائيل أمرت بوقف بناء هذه المستوطنات، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمعن في التحدّي ويواصل بناءها بوقاحة.

إذا أصغينا إلى كل الأصوات، وهي كثيرة، لا بد من أن نشعر بالتشوّش ونحتار في ما يريده الآخرون لفلسطين، وما يريده الفلسطينيون لأنفسهم.
هل الرئيس محمود عباس هو الناطق الشرعي باسم كل الفلسطينيين أم أن زعيم “حماس” خالد مشعل هو الذي يؤدّي هذا الدور؟ السؤال “من يتحدث باسم الفلسطينيين اليوم ومن يمثّلهم فعلاً” جدّي ومهم جداً ويحتاج إلى الإجابة عنه قبل تحديد هويّة الشخص الذي سيحمل الراية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، هناك شخصيات فلسطينية مرموقة أخرى، امثال صائب عريقات وحنان عشراوي ومروان البرغوثي وعزمي بشارة. هل لديهم جميعاً التصوّر نفسه عن “فلسطين”؟ ماذا عن السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يفوق عددهم 1300 شخص وينفّذون حالياً إضراباً عن الطعام؟ ترى ما هي تطلّعاتهم بالنسبة إلى فلسطين؟

نسمع في الخطب التي تتردّد في أنحاء الشرق الأوسط لهجة حماسية ودعماً لفلسطين. ينضم السياسيون ورجال الدين والشعراء والفنّانون إلى التعهّدات اليومية التي يطلقها الناشطون الشباب لـ”تحرير فلسطين”. إنها جهود صادقة وتستحق الثناء في أكثرها، ولكن لمرّة واحدة في تاريخ هذا الشعب المشرّد الذي تحوّل “لاجئاً”، وهي صفة لا يرغب فيها أحد، هل لنا أن نطلب من الناشطين أن يصمتوا ويتركوا الفلسطينيين يتحدثون عن أنفسهم؟ لمرّة واحدة، دعوا الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال وسط المستوطنات غير الشرعية ويتعرّضون للاستقواء من دولة لا تحترم حقّهم في العيش الكريم، يرفعون الصوت عالياً ويتحدثون عن هواجسهم، بدل أن تتحدث “حماس” أو “فتح” بالنيابة عنهم، أو “حزب الله” أو تنظيم “القاعدة” أو الناشطون اللبنانيون أو الأردنيون أو المصريون، أو الزعماء العرب. يجب أن يتحدث الفلسطينيون العاديون الذين تُسَدّ في وجوههم كل الآفاق لعيش حياة كريمة بسبب الإساءات التي يتعرّضون لها على أيدي حكّامهم.
الفلسطينيون على وشك الانفجار من الداخل. فالارتباك المستمرّ في القيادة والمشاحنات سوف تؤدّي إلى انفجار كارثي. وفي هذه الحال، لا شك في أن الخاسر الأكبر سيكون “فلسطين” بمختلف وجوهها!

السابق
صيد ومصيدة فرنسيان
التالي
الإنترنت المجاني.. ينتظر توقيع