العمى الآسر

مرة جديدة يا اخوان.. لم تكن قليلة أو هيّنة أو عادية وقائع جلسات المجلس النيابي الأسبوع الماضي. لا في اللغة التي استخدمت، ولا في الكشف الاستثنائي عن مدى التوتّر الذي يعيشه الممانعون المحليون، الغاضبون المنرفزون دائماً وأبداً. الحاملون كتاب التخوين في يمينهم وكتاب الإدانة في يسارهم. ومن أفواههم تخرج مطوّلات العدم كأنها أشعار الإبادة وشعارات الفناء. ولا شيء دون ذلك وتلك!

ولكثيرين أن يمارسوا هواية الاستثناء والتمايز والجلوس في الوسط لإطلاق أحكام تأخذ الكل بمكيال واحد، وتقيس المسار بجملته وليس بتفاصيله، وليوزعوا بعد ذلك مسؤولية ذلك الضخّ التوتيري المرعب على الجميع كأنهم في ذلك سواء.. وهذه (قبل الإدانة) لعبة فيها جاذبية وترف كبيران، وفيها بواعث رضى عن الذات لا يُستهان بها: أن يفترض أحدهم في نفسه رفعة فوق ما قيل، وتمايزاً فوق الاصطفاف، ورقّة حليبية لا تستسيغ لغة الحديد والنار والأسيد والكلس والفحم التي طافت في البرلمان ووصلت الى كل بيت، وتغلغلت في عقول العامة لتستقر فيها..

لكن في ذلك شطط أكيد وبعيد المدى. أبعد من قصّة الضمير وضرورات بقائه على قيد الحياة في عالم العدالة النسبية: فيه قصور خطير عن تحديد الفرق بين الفاعل والمرتكب من جهة، والمتلقّي وصاحب رد الفعل من جهة أخرى. وذلك قصور يكاد يقارب حدّ الافتراء الصافي، ويتآخى في رفقة درب مع المشاركة في "الجريمة"، وان كان الافتراض، ان في "التفرّج" عن بُعد على المجرم، كفاف البراءة!

صحيح اننا في "حالة" مماثلة منذ ست أو سبع سنوات عجاف. وصحيح ان خطاب الاثارة والتحريض والشتم والتخوين ليس جديداً في قاموس أهل الممانعة المحلية والإقليمية، لكن الصحيح الراهن، هو ان الحدود المضبوطة (؟) تكاد أن تفلت وتتكسّر وتسوّى بالأرض.
لم ينتبه أهل الافتراء والتجنّي والسلبطة، الى أن حصاد اليوم هو نتاج زرع الأمس، وان أقرب الطرق الى جهنم والكارثة يكون تماماً من خلال الإمعان في الاطمئنان الغاشي الى ان الأمور ممسوكة! وان الدرع الذاتي متين كفاية! وان الصواب هو في الاستمرار والإصرار على أخذ الدنيا غلابا، وأكل حقوق الآخرين أو نفيها، ثم الادعاء المَرَضي بأنها محفوظة من خلال واجهات كرتونية تشبه المسخرة!

هناك فارق كبير، جوهري وحسّاس، بين العمل السياسي في بيئة متنافرة، وبين الكسر والإلغاء والشطب والقهر في بيئة تتكامل مقومات تنافرها وصدامها!..
ما جرى في المجلس النيابي قبل أيام، لم يكن شغلاً سياسياً إنما توتير فتنوي لا سابق له. ولم يكن "مطالعات مدروسة" في ذمّ إرث اقتصادي وسياسي (يشرّف كل من عاشه وعاصره في كل حال)، بل كان بخّاً مسموماً تحريضياً الى آخر الحدود.
الغريب، ان العمى ضاربٌ، فيما ظنّ أهل الحل والربط في الممانعة انهم يرون جيداً.. وبعيداً. يا الله!

السابق
فلسطينيون ينقسمون حول التطبيع مع جدار الفصل
التالي
بني غانتس: إذا خرج نصر الله من الملجأ سيكون في مرمى طلقاتنا