سوريا الى أين وأين هي اليوم ؟

ليس بالخيار بل بالاضطرار أعلن المتصارعون في الداخل والخارج التسليم بمهمة كوفي أنان في سوريا. ولا على التفاصيل التي تسمح بكل الألعاب بل على العناوين العامة للنقاط الست في ورقة الموفد الخاص كان التوافق في مجلس الأمن، مع الاحتفاظ بالمسافة الفاصلة بين المواقف. فالمهمة مهما تكن النتائج، فصل في مرحلة طويلة تطرح سؤالاً يتجاوز إرادة النظام وحراك المعارضين. سوريا الى أين؟ سوريا الوطن والدولة والشعب والموقع والدور.

الجواب صعب. لكن البحث عنه يبدأ من سؤال آخر لم يكن وارداً في العقود الأخيرة الماضية: أين سوريا اليوم بعد ٦٦ عاماً من عيد الجلاء في ١٧ نيسان ١٩٤٦؟ والجواب على الأرض وفي كواليس العواصم العربية والإقليمية والدولية. سوريا قلب العروبة النابض معلقة العضوية في الجامعة العربية، وإن قالت دمشق إنها هي التي تعزل الجامعة. سوريا اللاعب الإقليمي المهم هي الآن مسرح تدور فوقه لعبة الأمم. سوريا التي كانت على باب الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تتعرض لعقوبات الاتحاد، وإن قالت إنها ستنسى وجود أوروبا على الخارطة. وسوريا التحالف الاستراتيجي مع تركيا تواجه أعنف هجوم سياسي تركي ومعه استقبال النازحين السوريين واحتضان المنشقين عن الجيش، واستضافة مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي ضم ٧٢ دولة.
صحيح ان القيادة في دمشق، كما يقول العارفون بطريقتها في التفكير، تتصرف على أساس أن الخارج الذي يعاقبها ويضغط عليها سيعود الى التعامل معها والتسليم بدورها حين تربح المعركة في الداخل. كما على أساس أن لديها من أوراق القوة ما يجعلها قادرة على قبول المبادرة العربية ثم رفضها، والموافقة على المبادرة الدولية في مجلس الأمن ثم التملص من تنفيذ ما يزعجها فيها، من دون أن تفقد المظلة الروسية والصينية، وهي مطمئنة الى أن التدخل العسكري الأجنبي ليس على جدول الأعمال. لكن الصحيح أيضاً أن سوريا أصبحت ساحة مفتوحة لكل أنواع التدخل ومسرحاً لصراع عليها ويتجاوزها بين روسيا والصين وايران من جهة وبين أميركا وأوروبا وتركيا ودول عربية من جهة أخرى.
لا بل ان بين العارفين مَن يختصر الصورة بالقول إن سوريا أخذت مكانها في القطار الروسي، ولا أحد يعرف الى أين يأخذها. فالصراع المفتوح على الصدام الاستراتيجي مفتوح أيضاً على الصفقات الاستراتيجية بين الكبار: وما هو من الثوابت في الحسابات مرشح لأن يصبح من المتغيرات في لعبة المصالح.
ومن السهل الحديث عمن له مصلحة ومَن ليس له مصلحة في نجاح مهمة أنان. لكن من الصعب تجاهل الأهم، وهو أن النجاح في مصلحة سوريا الوطن والدولة والشعب. ولا مهرب، بالخيار والاضطرار معاً، من الانتقال الديمقراطي للسلطة.

السابق
الاعور… ماريكا
التالي
ضبط أسلحة في مرفأ صيدا