من يسعى إلى وقف لقاءات بكركي؟

عادت اللجنة النيابيّة المكلّفة درس قانون الانتخاب إلى اجتماعاتها الدوريّة لتشهد على دفن الطرح الأرثوذكسي مرّة نهائيّة إضافة إلى قانون الستّين، وباشرت البحث عن الحدّ الأدنى من التوافق بين الأقطاب الموارنة على صيغة جديدة للقانون تمهيداً لإعادة طرح الملفّ على اللقاء الماروني في بكركي.

على رغم الحديث المتنامي عن بعد، لا بل استحالة، انعقاد اللقاء الماروني الموسّع مرّة أخرى في بكركي في ضوء الانتقادات التي ساقها فريق من المسيحيّين لتوجّهات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الملفّ السوري، فقد أضاء اللقاء الذي عقد أمس في مجلس النوّاب على مستوى اللجنة النيابية المكلّفة البحث في قانون الانتخاب على إمكان فتح نافذة في الجدار القائم الذي يحول دون عودة اللقاءات المارونية الموسّعة إلى الصرح.

ما بين اللجنة واللقاء
ثمّة مَن يقول إنّه لا يجوز بأيّ شكل من الأشكال الربط بين اجتماع اللجنة ومهمّتها المتواضعة، ومصير اللقاء الماروني الموسّع، فهناك جهود تُبذل في الكواليس لتغيير الواقع الذي استجدّ على الساحة المارونيّة منذ أن تفجّر الخلاف حول بعض مواقف بكركي، لكنّ هذه الجهود ما زالت دون المستوى الذي يؤمل منه لإعادة لمّ الشمل.

ويعتقد أصحاب هذه المساعي العاملين في الظلّ، أنّ إعادة وصل ما انقطع هو أمر مُلحّ مهما كان الثمن، قبل أن يزيد التباعد، باعتبار أنّ العاملين على خطّ التباعد هم أقوى بكثير ممّن يعملون في الاتّجاه المعاكس. ويلاحظون أنّ المعركة تدور في مرحلة هي الأدقّ والأخطر، نظراً إلى حجم الملفّات المطروحة أمام اللقاء والتي تتطلّب موقفاً جامعاً وحاسماً يسهّل الطريق أمام وفاق وطنيّ ينطلق من التفاهم المسيحي – المسيحي.

وتعترف الأوساط السياسية أنّ هناك من يعمل ليل نهار وبقدرات كبيرة للحفاظ على المسافة السلبية التي قامت بين بكركي وبعض المسيحيّين، في وقت لم تنفع المحاولات الخجولة التي بُذلت حتى اليوم، لمنع اتّساع رقعة التباعد بفعل الاستغلال السياسي الذي دأبت عليه بعض الأطراف من أكثر من جهة. فالبعض يسعى إلى احتكار "محبّة" بكركي مبالغاً في "التملّق لديها"، ويلاقيه في المقلب الآخر من يعزّز هذا الشقاق ظنّاً منه أنّ المعركة الانتخابية المقبلة تحتاج وقوداً من هذا النوع من دون النظر الى النتائج السلبية المترتّبة عليها، إذا تمكّن أحد من قادة "الطابور الخامس" من اختراق أجواء التهدئة بما يصيب اللبنانيّين بنوع من العمى السياسي قد لا تحمد عقباه قياساً على التجارب السابقة.

وفي حسابات الساعين إلى تقريب وجهات النظر، فإنّ أمامهم مهمّة صعبة للغاية. فالأحداث تتسارع على أكثر من مستوى محلّي وإقليمي ودولي، والظروف الضاغطة التي ولّدتها تردّدات الأحداث السوريّة تجعل أيّ تغيير جذريّ في المواقف غير مرهون بالتطوّرات الداخلية بقدر ما بات انعكاساً لتطوّر إقليمي أو دوليّ يغيّر في منحى الأحداث بما يجعل التقارب ممكناً تحت أيّ سقف ولو كان متواضعاً.

بديلان انتخابيّان لا أكثر
على هذه الخلفيّات، انطلقت اللجنة النيابية المكلّفة البحث في قانون الانتخاب في عملها أمس بحثاً عن بدائل من قانونَي الستّين الذي نعاه رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة ومعه اللبنانيّون من مختلف الأطراف، واقتراح اللقاء الأرثوذكسي الذي لقي المصير نفسه. ولذلك ظهرت بوادر إجماع على انطلاق النقاش من مشروعين جديدين على الأقل:

– الأوّل، يتّصل بتصغير الدوائر الانتخابية وصولاً إلى دوائر متساوية يتنافس فيها ما بين مرشّحين على الأقل وأربعة على الأكثر بعد إعادة النظر بالدوائر الانتخابية.

– الثاني، يقضي بإحياء ما بات معروفاً بـ"قانون فؤاد بطرس" الذي قال بانتخاب 77 نائباً وفق النظام الأكثري و51 آخرين وفق النسبية، بعد إعادة النظر بالدوائر الانتخابية بشكلين، تصغيرها عند انتخاب الأكثريّين وتكبيرها عند الانتخاب وفق النسبية.

مساعٍ على رغم العقبات
وعلى أمل أن تقود الحركة على مستوى لجنة قانون الانتخاب الى إعادة تقريب المسافات على مستوى اللقاء الماروني الموسّع، فقد اتّفقت اللجنة في لقائها أمس بكامل أعضائها على عقد اجتماع ثانٍ الأسبوع المقبل، فلا يضيع المزيد من الوقت تمهيداً للوصول الى مشروع يوفّر الحدّ الأدنى من الإجماع الماروني، بحيث يكون جاهزاً للبحث بعد عودة البطريرك الراعي من جولته الخارجية التي ستبدأ في 22 الجاري وتمتدّ شهراً كاملاً.

ثمّة من يعتقد أنّ كلّ هذه الجهود ستذهب هدراً، وستكون النتائج المتوقّعة منها شبيهة بما سبقها من محاولات. فالانقسام القائم بين معسكرين تعزّزه التطوّرات على كلّ المستويات لكنّ الساعين الى جمع ما لا يجمع، لا يريدون الاعتراف بما هو قائم. لعلّهم في مسعاهم ينجحون في الخروج من دوّامة الصراع.

السابق
الأزمة السوريّة
التالي
تركيا في المأزق السوري