الأسد لن يقبل تبويس اللحى

عندما يحين موعد مغادرة السفراء الغربيين لبنان لانتهاء مهامهم وانتقالهم إلى مواقع أخرى، يمهدون لزيارات يطلق عليها ظاهراً «وداعية» لجميع المسؤولين مدنيين وروحيين وسياسيين وعسكريين وأمنيين ومصرفيين، ومضمونها عملية ترتيب ملفات وإعداد تقارير نهائية يضمنونها آراء مختلف القيادات من الوضع الداخلي والاقليمي والدولي، خصوصاً أولئك الذين ينتقلون لشغل مواقع مهمة في وزارة الخارجية في بلدانهم.
ويروي أحد المراجع غير المدنية بعد لقاء مطول مع سفير دولة أوروبية مؤثرة في لبنان، بدأ حزم حقائبه للمغادرة، أن التركيز في الحديث كان على المعطيات اللبنانية والقراءة الواقعية لتطور الاحداث في سوريا، باعتبارها «العقدة التي تحول دون رسم الصورة الجديدة للواقع العربي المتفجر». وبينما كان المرجع يتحدث كان السفير يدوّن حرفياً ما يقوله والذي اختصره برسم «خط بياني غير مطمئن للغرب في تعاطيه مع الملف السوري، لأنه أياً كانت النتائج فلن تكون أبداً لمصلحته».
ويقول المرجع «ان القراءة الواقعية للوضع السوري المبنية على معطيات ومعلومات، كلها تندرج في سياق أن ما يدور في سوريا إن عبر المواجهة المسلحة أو عبر الضغط السياسي والاقتصادي غير المسبوق، هو عملياً حرب تموز سورية شبيهة تماماً بحرب تموز اللبنانية العام 2006 يوم ظن العالم كله باستثناء قلة قليلة أنه بالإمكان إسقاط «حزب الله» كممر إجباري لتساقط محور المقاومة الذي يمر بدمشق وصولاً إلى طهران. وكما فشل عدوان تموز اللبناني في تحقيق أهدافه، فإن مثيله السوري الذي يخاض بأدوات مختلفة سيلقى المصير ذاته، لكن هذه المرة بأثمان تطال القيمين عليه لجهة تأثيرهم بمسار مستقبل الأوضاع في المنطقة ومنظومة المصالح المرتبطة عضوياً فيها».

ويضيف المرجع ان «الخطأ الجوهري والأساسي الذي وقع فيه الغرب، هو اعتقاده أن ما جرى تعميمه على تونس ومصر وليبيا واليمن يمكن أن يسري على سوريا، متجاهلاً أن هذه الأنظمة هي بالأساس ذات تركيبة وبنية مكتملة بصناعة أميركية ـ غربية يمكن التصرف بها بسهولة، في حين أن تعقيدات الواقع السوري كبيرة جداً لارتباطها بتوجهات النظام القومية ـ العربية وفق اولوية المقاومة وفلسطين التي أثمرت سريعاً عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران تحالفاً استراتيجياً عميقاً بين سوريا وإيران ينطلق من هذه الثوابت غير القابلة للتصرف».

ويقول: كما أن بنية النظام السوري تتمتع بصلابة نوعية وغير مصابة بلوثة الهشاشة بدليل تماسك كل الأجهزة والمؤسسات التي يتشكل منها، بدءاً بالجيش، مروراً بالمؤسسات الشعبية على تنوعها، وصولاً إلى الجسم الدبلوماسي الصلب الذي فشلت كل محاولات الاغراء التي لا تقاوم في إحداث خرق أساسي في بنيته.

ويوضح المرجع في سياق مقاربته الوضع السوري التي أنصت الدبلوماسي الأوروبي إليها باهتمام كبير، ان «الطامة الكبرى هي ان الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها التي استنفرت كل طاقاتها المالية والاعلامية والسياسية في الحرب على سوريا، تحكمها أنظمة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحرية والديموقراطية، حتى ان بعضها لا دستور مكتوبا لديها، كما ان نصف المجتمع ـ أي المرأة ـ يتم التعاطي معه على قواعد لاإنسانية، أين منها حقبة الجاهلية. ففي إحداها تمنع المرأة من قيادة سيارة والترشح إلى موقع وظيفي أو سياسي، حتى جواز السفر لا يعطى لها إلا بموافقة الوالد أو الزوج ويعاد فوراً إلى الدرج حيث يقفل عليه ويحتفظ بالمفتاح ولي الأمر. بينما في سوريا كما في إيران، فإن المرأة وصلت إلى مواقع متقدمة من نائب رئيس جمهورية إلى أي موقع آخر عبر مواءمة راقية بين الحضارة التي تمتد لآلاف السنين والمفاهيم الدينية والعقائدية المفتوحة على التطور ومجاراة العصر». وخلص المرجع في حديثه إلى نتيجة مفادها ان «الغرب دخل في مغامرة كبيرة عبر مقاربته الوضع السوري بالطريقة الحالية، ونصيحتي لكم ان تعيدوا حساباتكم وتراجعوا مواقفكم وتسارعوا إلى إعادة فتح القنوات مع القيادة السورية التي تمضي عن إرادة صادقة في عملية الاصلاح الشامل، بما يدفع عن سوريا أي نظام ظلامي متطرف لن يقوم، لأن البديل للإصلاح هو حرب طائفية ضروس لن تبقي أو تذر». 
هذه القراءة تتلاقى مع ما يرد إلى لبنان من تقارير دبلوماسية كشف احدها أن «واشنطن أبلغت كلاً من طهران ودمشق عبر قنوات دبلوماسية دولية وعربية أبرزها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي دخلت المنطقة العربية في حقبته، ان لا حرب مقبلة على إيران ولا ضربة عسكرية إسرائيلية لها، مع الجزم ايضا ان لا تدخل عسكريا ضد سوريا لنصرة المعارضة المنقسمة على نفسها بمواجهة النظام، وهذا ما يفسر الموقف الاخير للمالكي الذي عبّر فيه صراحة ان لا إمكانية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. ولمحت واشنطن للمعنيين الى انه ستكون لها بعد الانتهاء من انتخاباتها الرئاسية وفوز باراك أوباما بولاية جديدة، مقاربة أميركية مختلفة للملفين الايراني والسوري أكثر ميلاً لحل سياسي تفاوضي لانهاء الملف النووي الايراني والأزمة السورية. وفي هذا الإطار أيضاً، تأتي الاشارات الايرانية عن إمكان الدخول في حوار مع الولايات المتحدة.

أما على المحور الأوروبي، فيشير أحد التقارير إلى أن «دمشق تلقت مؤخراً إشارات فرنسية خلاصتها أنه سيكون لباريس كلام آخر في المرحلة المقبلة أكثر تصالحية مع نظام بشار الأسد في حال فوز نيكولا ساركوزي بولاية ثانية في الرئاسة الفرنسية، وهذا سينسحب حكماً على الواقع الأوروبي ككل».
ويندرج في هذا المنحى ما أفصح عنه دبلوماسي عربي في بيروت من ان «كلا من رئيس دولة الامارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وسلطان عمان قابوس بن سعيد وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تواصلوا مع الأسد عشية انعقاد القمة العربية في بغداد، وأبلغوه ان دولهم لا تريد القطيعة مع سوريا وهي تدعم بقاءه على رأس النظام في سوريا لمواجهة هجمة «الاخوان المسلمين» والتيارات السلفية المدعومين من السعودية وقطر وتركيا، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون الاعلان عن ذلك كي لا يؤدي إلى انقسام او انهيار مجلس التعاون الخليجي وإلى الوقوف في وجه السعودية وقطر لحسابات خليجية بحتة. وكان رد الأسد بأن «الحكم في دمشق حسم خياره بأنه لن تكون هناك عودة إلى علاقات طبيعية مع السعودية وقطر أو مع الجهات السياسية العربية لا سيما في مصر ولبنان، لأنهم ذهبوا بعيداً في عدائهم لسوريا، شاكراً عاطفتهم تجاهه، مؤكداً ان دمشق ترى أن وقت الحساب قد حان، وهي لن تقبل بعد اليوم تبويس اللحى على قاعدة عفا الله عما سلف».

وعزز الدبلوماسي العربي هذه الوقائع بقوله ان ما سمي بمؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي انعقد في اسطنبول، «لم تكن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في وارد حضوره شخصياً، كما لم يحضره أي وزير خارجية أوروبي وتحديداً الفرنسي والبريطاني، وأيضاً لم تحضره وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين أشتون. وان حضور كلينتون جاء بعد إلحاح ورجاء من وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو لحفظ ماء وجه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. فحضرت شرط الا يتضمن البيان الختامي دعوة الى تسليح المعارضة السورية. فكان حضورها خجولاً ولم يضفِ أي وقع على المؤتمر وهذا بإرادتها الذاتية».

ورأى الدبلوماسي «أن التوتر السعودي ـ القطري المعبر عنه باللهجة المتشددة التي يعتمدها كل من رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، موجه ضد الأميركي والفرنسي معاً لانكفائهما عن عملية التصعيد ضد النظام السوري».

وماذا كان تعليق السفير الاوروبي على مطالعة المرجع؟
اخذ السفير نفساً عميقاً ورتب أوراقه التي خط عليها ملاحظاته وقال بعبارات ذات دلالة «أنا مع هذا التقييم، لكنه موقف شخصي لا يعبر عنه توجه إدارتي». 

السابق
السفير: الأزمة السورية تدخـل اختبارات مـا قبـل استحقاق الثلاثاء
التالي
فشل الحوار مع إيران يُحتِّم الضربة