واقع دولتين

استئناف ذو مغزى للمسيرة السياسية لا يبدو في الافق. الائتلاف في اسرائيل اكثر صقرية مما كان حتى قبل بضع سنوات والقيادة الفلسطينية لا يمكنها أن تستند الى دعم الدول العربية المعتدلة عقب التحولات في العالم العربي.
الانهيار المرتقب لمحاولة استئناف المفاوضات من شأنه أن يلحق ضررا لا مرد له لفرص التسوية المستقرة للدولتين. وفي نفس الوقت فان الوضع الراهن ايضا ليس سوى وهم. في الطرفين يوجد تطرف. اسرائيل تقف امام عزلة متصاعدة، ستؤثر سلبا على امنها واقتصادها، وامام خطر على مستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية. فقدان أمل الفلسطينيين من شأنه أن يؤدي الى اندلاع متجدد للعنف. وبالتالي فمن الحيوي بلورة صيغة جديدة للمسيرة السياسية، تبث في الطرفين الاحساس بالتقدم والامل وتسمح بعودة سريعة لمفاوضات تقوم على اساس خطوط 67 مع تبادل للاراضي.

الطريقة المقترحة هنا تستند الى خطوات بناءة احادية الجانب. وتكون الخطوة احادية الجانب بناءة اذا لم تكن تتعارض ورؤيا الدولتين للشعبين بل وتدفع الى الامام عمليا واقع الدولتين، ونتائجها لا تشكل عائقا امام عودة الطرفين الى طاولة المباحثات. الصيغة ستسمح بتلطيف حدة النزاع من خلال خلق تدريجي لواقع الدولتين، عبر تنفيذ سلسلة من الخطوات احادية الجانب غير مشروطة باستئناف المفاوضات او بتقدمها.
على اسرائيل أن تعمل على خلق واقع دولتين للشعبين: الاعلان بانها مستعدة في كل وقت للعودة الى المفاوضات المباشرة، وبالتوازي ـ الاعلان بانها لا تطالب بالسيادة على المناطق شرقي الجدار الامني والاستعداد لعودة المستوطنين الذي يسكنون شرقي الجدار أو خارج الكتل الاستيطانية، وهكذا: تجميد البناء شرقي الجدار الامني والاحياء العربية في القدس. يمكن مواصلة البناء في الكتل الاستيطانية وفي الاحياء اليهودية في منطقة القدس؛ تطبيق قانون الاخلاء الطوعي والتعويض للمستوطنين الذين يسكنون شرقي الجدار بحيث يتاح لهم الانتقال للسكن في نطاق الخط الاخضر وفي الكتل الاستيطانية دون صلة بالوصول الى تسوية دائمة، في ظل الحصول على تعويض مناسب لقاء املاكهم؛ اعداد خطة وطنية لاستيعاب المستوطنين الذين يعودون الى دولة اسرائيل في حدودها المعترف بها والامنة، سواء بالاتفاق أم بدونه. وستتضمن الخطة عناصر تخطيط مديني، تشغيلي، اقتصادي، امني، نفسي واجتماعي.

وهكذا ففي دفع واقع الدولتين الى الامام تنقل اسرائيل رسالة بانها لا ترى مستقبلها في المناطق التي شرقي الجدار، وذلك دون أن تعرض أمنها للخطر في المراحل الانتقالية وفيما بعد ذلك. لهذه الرسالة ستكون عدة مقاصد: الاسرة الدولية التي ستقتنع بصدق نوايا اسرائيل وتسمح باعادة بناء الثقة وخروج اسرائيل من العزلة المتصاعدة. اما الفلسطينيون فسيتبينون بان اسرائيل لا تعارض اقامة دولة فلسطينية. والجمهور الاسرائيلي في اسرائيل سيتلقى رسالة واضحة من حكومته حول الحاجة العاجلة والحيوية لحل الدولتين. كما أن يهود الشتات سيتبين لهم حصانة المشروع الصهيوني.

ولما كان من غير الضروري اتفاق متبادل على الخطوات، فان الصيغة تسملح لاسرائيل بالعمل حسب مصالحها الوطنية بعيدة المدى، دون صلة بنشاط الطرف الاخر، عدم فعله أو قصوره.
اما بالنسبة للاسرة الدولية، فهذه يمكنها أن تتبنى الصيغة المقترحة وتشجع الطرفين على التقدم بموجبها. وهكذا فان خطوات مثل فك الارتباط الاسرائيلي عن غزة وشمالي السامرة او تعهد فلسطيني مصداق بعدم السماح بعمليات ارهابية ضد اسرائيليين ستحظى بدعمها، وبالمقابل سيشجب اطلاق الصواريخ من غزة واستمرار الاستيطان اليهودي شرقي الجدار.

صيغة كهذه تبقي الباب مفتوحا للحوار، وتوضح بان الهدف هو تسوية الدولتين، وانه يمكن الوصول الى اتفاق دائم بالمفاوضات فقط. الصيغة المقترحة تشجع خطوات بناءة احادية الجانب، دون ان تحبط السعي الى تحقيق اتفاق بالمفاوضات.
التقدم بموجبها سيخلق واقع الدولتين، سيحطم الجمود في المسيرة السياسية والذي يعمل في طالح اسرائيل وسيساهم في انضاج الظروف لاستئناف مفاوضات ذات مغزى على التسوية الدائمة بدعم دولي واسع. على خلفية التطورات وعدم اليقين في منطقتنا وما ورائها، لا يمكن الامل بانجازات أكبر من هذه.   

السابق
محمد صفا يثير قضية عبد الله في جنيف
التالي
اوباما يشاهد ميريام فارس!!